للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة تسع وأربعين وخمسمائة (١):

فيها استدعى الظّافر ناصر الدّولة نصر بن عبّاس وأخرج له صينيّة من ذهب فيها ألف حبّة ما بين لؤلؤ وياقوت أحمر وأصفر وزمرّد أخضر ذبابى (٢)، وأمر له من بيت المال بعشرة آلاف دينار مصرية (٣)، فقتله بعد هذه الهديّة بستة أيام. وذلك أنه خرج الخليفة الظّافر متنكرا من قصره فى ليلة الخميس سلخ المحرّم ومعه خادمان، وسار على عادته إلى دار نصر بن عباس، فقتله نصر، وحفر له تحت لوح رخام ودفنه؛ وقتل سعد الدّولة، أحد الخادمين اللذين خرجا معه من القصر، وفرّ الآخر.

وكان سبب قتله أن الأمراء استوحشوا من أسامة بن منقذ عند ما علموا أنه هو الّذى حسّن لعبّاس قتل ابن السّلار وتحدّثوا بقتله، وقيل للظّافر عنه إنّه غريب ومن دولة أخرى وإنّ فى تركه وقوع ما لا يمكن تداركه. فلمّا بلغ أسامة ذلك أخذ يغرى عبّاسا بابنه نصر ويبالغ فى القصّة حتى قال له يوما: كيف تصبر على ما يقول النّاس فى حقّ ولدك واتهامهم الخليفة أنّه يفعل به ما يفعل بالنّساء. فشقّ على عبّاس ولام ابنه، فلم يصغ إلى لومه.

فلمّا أنعم الظّافر على نصر بناحية قليوب وحضر إلى أبيه ليعلمه بذلك قال أسامة، وكان


(١) ويوافق أول المحرم منها الثامن عشر من مارس سنة ١١٥٤.
(٢) فى وصف الزمرد يقول القلقشندى، نقلا عن بلينوس، والزمرد ابتدأ لينعقد ياقوتا وكان لونه أحمر إلا أنه لشدة تكاثف الحمرة بعضها على بعض عرض له السواد، وامتزجت الحمرة والسواد فصار لونه أخضر .. ثم يقول وأفضل أنواعه وأشرفها الذبابى، ويزداد حسنه بكبر الجرم واستواء القصبة وعدم الاعوجاج فيها، وهو شديد الخضرة لا يشوب خضرته شيء آخر من الألوان، جيد المائية، شديد الشعاع. ويسمى ذبابيا لمشابهة لونه فى الخضرة لون كبار الذباب الأخضر الربيعى، وهو من أحسن الألوان خضرة وبصيصا. وهو أقل من القليل، بل لا يكاد يوجد. صبح الأعشى: ١٠٧:٢ - ١١٠.
(٣) يتحدث القلقشندى عن الدنانير المسكوكة بالديار المصرية وما يأتى إليها من المسكوك فى غيرها من الممالك، فيقول: وهى ضربان: الضرب الأول ما يتعامل به وزنا كالذهب المصرى وما فى معناه، والعبرة فى وزنها بالمثقال فكل سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم والمثقال أربعة وعشرون قيراطا، وقدر بثنتين وسبعين حبة شعير من الشعير الوسط. والضرب الثانى ما يتعامل به معادة (بالعدد) وهو ما يأتى من بلاد الإفرنجة والروم، كل دينار منها بتسعة عشر قيراطا ونصف قيراط من المصرى، واعتباره بصنج الفضة المصرية كل دينار زنة درهم وحبتى خروب يرجح قليلا. ثم يصف القلقشندى هذه الدنانير الإفرنتية، وتعنى الإفرنسية؛ ثم يتحدث عن بعض الدنانير المصرية، ويعلق بعد ذلك بقوله: وصرف الذهب بالديار المصرية لا يثبت على حال بل يعلو تارة ويهبط أخرى بحسب ما تقتضيه الحال. قارن: صبح الأعشى: ٤٣٦:٣ - ٤٣٩؛ وانظر كذلك: حالة مصر الاقتصادية فى عهد الفاطميين: ٣٠٠ - ٣٠٨.