فيها خرج العسكر من القاهرة لحفظ ثغر عسقلان من الفرنج، وكانوا قد نزلوا عليها في السنة الخالية. وكانت العادة أن يخرج في كل ستة أشهر عسكر بدلاً من العسكر الذي بالثغر. فلما قدم البدل كانت النوبة لركن الدين المظفر أبي منصور عباس بن تميم ربيب العادل. فخرج ومعه من الأمراء ابنه نصر بن عباس والأمير ملهم والضرغام وأسامة ابن منقذ وغيره، وكان لأسامة بعباس اختصاص كبير. فلما نزلوا بعد رحيلهم من القاهرة على بلبيس تذكر عباس وأسامة مصر وطيبها وما هم خارجون إليه من مقاساة السفر ولقاء العدو، فتأوه عباس أسفاً على مفارقته لذاته بمصر، وأخذ يلوم العادل ويثرب عليه من أجل كونه أخرجه. فقال له أسامة: لو أردت كنت أنت سلطان مصر. فقال: وكيف لي بذلك؟ فقال: هذا ولدك ناصر الدين بينه وبين الخليفة مودة عظيمة، فخاطبه على لسانه أن تكون سلطان مصر موضع عمك، فإنه يحبك ويكره عمك؛ فإذا أجابك فاقتل عمك. فوقع هذا الكلام من عباس بموقع وقبله، فاستدعى ابنه وأسر إليه بما تقرر بينه وبين أسامة وسيره سراً إلى القاهرة.
وكان العادل قد كره تخصيص نصر بن عباس بالخليفة الظافر، وقال لعباس وأمه والله ما ينبغي اجتماع نصر بالخليفة؛ قولا له يقصر من اجتماعه فربما نتج من شابين ما لا ينبغي. وقال لأم عباس: لا يدخل ابنك داري إلا بإذني. فكأنه يوحي بأنه قاتله.
فلما سار نصر من عند أبيه ودخل إلى القاهرة كان وقت غفلة من العادل أمكنته فيها الفرصة، فاجتمع بالظافر وأعلمه بالحال التي قدم من أجلها، فأعجبه ذلك وأذن فيه، لما كان في نفسه من قتل ابن السلار لصبيان الخاص وغير ذلك. ففارق نصر