للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتّصل بالخليفة الآمر، وبذل له فى مصادرة الكتّاب النّصارى مائة ألف دينار، فأطلق يده فيهم؛ واسترسل أذاه حتى شملت مضرّته كلّ أحد.

وكان يعمل له فى تنّيس ودمياط ملابس مخصوصة به من الصّوف الأبيض (المنسوج (١) بالذهب، فيلبسها ومن فوقها غفارة (٢) ديباج، ويتطيّب بعدّة مثاقيل مسك فى كلّ يوم فكانت رائحته تشتمّ من مسافة بعيدة. وكان يركب الحمر الفارهة بالسروج المحلاّة بالذّهب والفضة، ويجلس بقاعة الخطابة من جامع مصر.

ولما قتل وجد له فى مقطع ثلاثمائة طرّاحة (٣) سامان محشوة جددا لم تستعمل، قد رصّت إلى قرب السقف، وهذا من نوع واحد، فكيف ما عداه!

ولمّا قتل وعرف الآمر ما كان يعمل فى النّاس من أنواع الأذى خشى من الله واستحيا من الناس؛ وكره مساءلة الفقهاء من الإسماعيلية عن ذلك وعن كفّارة هذا الذّنب لأنّه إمام، وشرط الإمام أن يكون معصوما. فسيّر إلى الفقيه سلطان بن رشا شيخ الفقيه مجلى، وكان خليفة الحكم، مع من يثق به يستفتيه فى أمر الرّاهب وما يكفّر عنه، فقال: يردّ ما صار إليه من الأموال إلى أربابها. فردّ عليه: إنى والله ما أعرفهم ولا أقدر على ذلك؛ ولكن أعتق الرقاب وأتصدّق. فقال الفقيه: الخليفة قادر على أن يعتق ويتصدّق ولا يتأثّر لذلك، ولكن يصوم فإنّه عبادة شاقّة على مثله. فقال: أصوم الدّهر. فقال: لا؛ ولكن الصّوم الذى وصفه رسول الله، ، صوم يوم وفطر يوم. فقال: لا أقدر على ذلك. فقال: يصوم رجب وشعبان ورمضان. ففعل ذلك، وتحرّم فى صومه وبرّه هذه الأشهر من كلّ ما ينكر فى الديانة.


(١) ما بين القوسين مضاف من نهاية الأرب.
(٢) الغفارة المعطف Dozy:Supp.Dict.ar . .
(٣) الطراحة: مرتبة يفترشها الخليفة أو السلطان إذا جلس. نفس المصدر.