عليكم، وقد شاهدتم فعله وكونه لم يشغله مصابه بوزيره ومدبر دولته ودولة آبائه عن قضاء فرض هذا اليوم، وقد أفطر بمشاهدتكم، وأمركم بالإفطار. فمسح الخليفة بيده على الصواني، وتقدم القائد إلى الخليفة وصار يناوله من الصواني بيده؛ فأول ما مد إلى القاضي ثم الداعي، ونزل الناس للأكل. ورفعت الصواني، فأخذ القائد يد الداعي وقربه من الخليفة، فناوله الخليفة الخطبة، وكانت على يساره ملفوفة في منديل شرب بياض مذهب، فقبلها الداعي وجعلها على رأسه، وضمها إلى صدره. وتقدم القائد لحسام الملك بأن يأخذ الأمراء جميعهم ويطلعون إلى المصلى بالقاهرة لقضاء الصلاة، فتوجهوا في زي الحزن والمؤذنون بين أيديهم. فصلى الداعي بالناس، ثم صعد المنبر فوقف على الدرجة الثالثة منه، وخطب. وكانت الخطبة مبيتة فيها الدعاء للأفضل والترحم عليه وعندما توجه الناس إلى المصلى أمر ولد الأفضل بالمضي إلى أمه وإخوته وجهات أبيه ليرد عليهم السلام من أمير المؤمنين ويفطرهم.
وخلا الخليفة بالقائد وأمره بإخراج جميع الجواهر؛ فقام إلى خزانة كانت قد بنيت برسم الأفضل، فوجد بها خيمة، ففتحها وأخرج قمطرين عليهما حلية ذهب مملوءين جواهر ما بين عقود مفصلة بياقوت وزمرد وسبح؛ وقمطرا فيه إحدى عشرة شرابة طول كل شرابة شبران بجواهر ما يقع عليها نظر؛ وصناديق فضة مملوءة مضافات ما بين عصائب وتيجان ذهب مرصعة بجواهر نفيسة. ففتحت كلها، فشاهد الخليفة منها ما لا يوصف؛ فسر بذلك سرورا كبيرا، وشكر القائد وقال: والله إنك المأمون حقاً مالك في هذا النعت شريك. فقبل الأرض ويديه.
ولهذا النعت قضية. وذلك أنه لما كان في الأيام المستنصرية، وعمر القائد يومئذ اثنتا عشرة سنة، وكان من جملة خاصة المستنصر يرسله إلى بيت المال وخزانة الصاغة في مهماته، فيجد منه النهضة والأمانة، فيقول هذا المأمون دون الجماعة. ودرجت