للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة أربع وعشرين وخمسمائة (١)

فى ربيع الأوّل ولد للآمر ولد سمّاه أبا القاسم الطيّب، فجعل ولىّ عهده؛ وأمر فزيّنت القاهرة ومصر، وعملت الملاهى فى الإيوانات وأبواب القصور، وكسيت العساكر، وزيّنت القصور. وأخرج الآمر من خزائنه وذخائره قماشا ومصاغا ما بين آلات وأوانى من ذهب وفضة وجوهر، فزيّن بها؛ وعلّق الإيوان جميعه بالسّتور والسّلاح. واستمرّ الحال على هذا أربعة عشر يوما.

وأحضر الكبش الذى يعقّ به عن المولود (٢)، وعليه جلّ (٣) من ديباج، وفى عنقه قلائد الفضّة، فذبح بحضرة الخليفة الآمر. وجيء بالمولود فشرّف قاضى القضاة ابن ميسّر بحمله؛ ونثرت الدنانير على رءوس الناس. ومدّت الأسمطة العظيمة بعد ما كتب إلى الفيّوم والقليوبيّة والشرقية فأحضرت منها الفواكه، وملئ القصر منها ومن غيرها من ملاذ النّفوس، وبخّر بالعنبر والعود والندّ حتى امتلأ الجوّ من دخانه.

فيها تواترت الأخبار بتخويف الآمر من اغتيال النزاريّة وتحذيره منهم، وإعلامه بأنه قد خرج منهم قوم من المشرق يريدون قتله؛ فتحرّز احترازا كبيرا بحيث إنه كان لا يصل أحد من قطر من الأقطار إلاّ ويفتّش ويستقصى عنه. وأقام عدّة من ثقاته يتلقون القوافل ليتعرّفوا أحوال الواصلين ويكشفوا عنهم كشفا جليّا. وكلّما اشتد الأمر كثر الخوف.

واتّصل به أن جماعة من النّزاريّة حصلوا بالقاهرة ومصر، فاحترز وتحيّل فى قبضهم فلم يقدر لما أراده الله؛ وفشا فى الناس أمرهم، وكانوا عشرة فخافوا أن يظفر بهم، فاجتمعوا فى بيت وقالوا إنه قد فشا أمرنا ولا نأمن أن يظفر بنا؛ واشتوروا. فقال أحدهم: الرأى أن تقتلوا رجلا منكم وتلقوا برأسه بين القصرين لتنظروا إن عرفها الآمر


(١) ويوافق أول المحرم منها الخامس عشر من ديسمبر سنة ١١٢٩.
(٢) العقيق والعقيقة، والعقة بالكسر، الشعر الذى يولد عليه كل مولود من الناس، والبهائم، ومنه سميت الشاة التى تذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة. وعق عن ولده من باب رد إذا ذبح عنه يوم أسبوعه، وكذا إذا حلق عقيقته. مختار الصحاح.
(٣) الجل للدابة، بضم الجيم، كالثوب للإنسان يلبس ليقى من البرد، والجمع جلال، وجمع الجمع أجلة.