الخليفة وقد قوى عزمه، وأتى إلى دار جدته السيدة بلارة بنت القاسم زوجة العادل، وأخبر العادل بأن أباه سمح له بالعود إلى القاهرة شفقةً عليه وخوفاً من وعشاء السفر فقبل ذلك ومشى عليه. فلما أصبح العادل يوم الخميس سادس المحرم مضى من أول النهار إلى مصر لتجهيز المراكب الحربية والنفقة في رجالها وعرضها؛ فظل نهاره في تهيئة ذلك ليلحق عباساً، وعاد في أثناء النهار إلى داره بالقاهرة وقد لحقته مشقة وتعب تعباً كثيرا. فلما استلقى على الفراش لينام، وكانت امرأته جدة نصر قد توجهت إلى الحمام وخلا له البيت؛ فجاء إلى باب السر ودخل منه ومعه سيف، فإذا العادل قد نام وقت القائلة، فاخترط سيفه وضربه وهو خائف، فوقعت الضربة على رجله، فثار من فراشه وأبصره، فقال: إلى أين يا كليب! وخرج نصر يعدو، وكان قد أعسته جماعة من أصحابه، فلما صار إليهم وأعلمهم بما وقع قالوا له: قد قتلت نفسك وقتلتنا! ودخلوا وهو معهم، فإذا به قد جاء أستاذ من خدامه وهو يحدثه فقتلوه وأخذوا رأسه، فطلع بها نصر إلى الظافر. وماج الناس في القاهرة.
وسرح الطائر للوقت بطلب عباس من بلبيس، فقام من فوره وصار إلى القاهرة، فدخلها بكرة يوم الجمعة سادس المحرم، ثاني يوم قتلة العادل؛ فوجد جماعة من الأتراك كان العادل اصطفاهم واختصهم قد نفروا وتوحشت قلوبهم مما وقع؛ فأخذ يسكن أمرهم، فلم يثقوا به ولا اطمأنوا إليه. وخرجوا يداً واحدة فساروا إلى دمشق.
وكانت قتلة العادل في يوم الخميس وقت الظهر السادس من المحرم، وله في الوزارة ثلاث سنين وستة أشهر.
ولما حملت رأسه إلى الظافر أشرف من باب الذهب، ونصبت الرأس ليراها الناس، ثم حملت إلى خزانة الرءوس من بيت المال وجعلت فيها مع الرءوس، وما تحرك لها ساكن، ولا تكلم أحد. إلا أن نائحة كانت تسمى خسروان كانت قد مهرت في صناعة النياحة على الأموات، وصارت تنشىء في نواحها الروائع، فقالت فيه ترثيه سطرين أعجب بهما أدباء العصر من جملة قطعة: