للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة سبع وأربعين وأربعمائة (١):

فيها سيّر المستنصر إلى كنيسة قمامة، فأحتاط بجميع ما فيها. وذلك أن القاضى أبا عبد الله القضاعى كان قد توجه من عند الخليفة برسالة إلى متملّك الروم، فقدم وهو بالقسطنطينية رسول السلطان طغرلبك بن سلجوق يلتمس من الملكة تيودورا (٢) أن تمكن رسوله من الصّلاة فى جامع قسطنطينية، فأذنت له فى ذلك؛ فدخل إليه وصلّى به، وخطب للخليفة القائم بأمر الله العباسى. فبعث القضاعى بذلك إلى المستنصر، فأحاط بما فى قمامة وأخذه، وأخرج البطرك منها إلى دار مفردة؛ وأغلق أبواب كنائس مصر والشام، وطالب الرهبان بالجزية لأربع سنين، وزاد على النصارى فى الجزية. وكان هذا ابتداء فساد ما بين الروم والمصريين.

وفيها تجمّع كثير من التركمان بحلب وغيرها، وأفسدوا فى أعمال الشام (٣).

وفيها تزايد الغلاء، وكثر الوباء، وعم الموتان بديار مصر.

وفيها سار مكين الدولة الحسن بن على بن ملهم من القاهرة بالعساكر؛ ونودى فى بلاد الشام بالغزو والجهاد. واستدعى راشد بن عليان بن سنان إلى القاهرة، وقرر معه أن يسير فى قومه الكلبيين مع ابن ملهم، ثم قبض عليه. وعقدت إمارة الكلبيين لنبهان، وقيل لسنان، فنزل ابن ملهم أفامية، ثم سار إلى حصن قسطول فحصره عشرين يوما حتى أخذه


(١) ويوافق أول المحرم منها الثانى من أبريل سنة ١٠٥٥.
(٢) ملكة الروم، إمبراطورة بيزنطة.
(٣) وكان تجمع التركمان هذا بدءا لعصر نفوذ السلاجقة فى تاريخ خلافة العباسيين. وسيؤدى تقدم التركمان - السلاجقة - فى اتجاه الشام إلى نتائج ومضاعفات عديدة أهمها: الاحتكاك المستمر بالفاطميين؛ وتدهور نفوذ هؤلاء بالشام؛ التوسع الإسلامى فى آسيا الصغرى على حساب البيزنطيين؛ الصدام العنيف بين الشرق والغرب الذى اتخذ شكل الحروب الصليبية.