للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانتهب عامة ما كان معهم، فكثرت أمواله، وكبرت نفسه، واستأسد على المستنصر واستخف به وبمن معه، فقطع الميرة عن القاهرة ومصر، وعاث في البلاد؛ ونهب أكثر الوجه البحري. وقطع خطبة المستنصر من الإسكندرية ودمياط وجميع الوجه البحري، وخطب للخليفة القائم بأمر الله العباسي. وامتدت الحرب بين الأتراك وعبيد الشراء ثمانية أشهر يتحاربون ليلا ونهارا، فامتنع الناس من الحركة؛ وجاء النيل ووفى فلم يقدروا على الزرع، فتفاقم البلاء بالناس واشتد جوعهم وعظمت رزاياهم. وفشا مع ذلك الموت في الناس فكان يموت الواحد من أهل البيت في القاهرة أو مصر، فلا يمضي ذلك اليوم أو تلك الليلة حتى يموت سائر من في ذلك البيت. وعجز الناس عن مواراة الأموات فكفنوهم في الأنخاخ؛ ثم عظمت شناعة الموت وتضاعف العجز، فصاروا يحفرون الحفائر الكبار ويلقون فيها الأموات بعضهم على بعض، حتى تمتلئ الحفيرة بالرمم من الرجال والنساء والصغار والكبار، ثم يهال عليها التراب. ومع هذا تكاثر انتهاب الجند للعامة واختطافهم من الطرقات فخرج أهل القوة من القاهرة ومصر يريدون بلاد الشام والعراق هرباً من الجوع والفتن، فصار إلى تلك البلاد عامة التجار وأصحاب القوة، ومعهم ثياب المستنصر وذخائره وآلاته التي تقدم ذكر طرف منها.

وفيها حاصر أمير الجيوش بدر مدينة صور وبها عين الدولة أبو الحسن علي، الملقب بالناصح، ثقة الثقات ذي الرئاستين، ابن عبد الله بن علي بن عياض بن أحمد بن أبي عقيل القاضي، وضايقها؛ فسير عين الدولة إلى الأمير لواء مقدم الأتراك الواردين من العراق إلى بلاد الشام لينجده؛ واتصل ذلك بأمير الجيوش، فخاف من الأتراك، فرحل عن صور. ثم لما اطمأن عاد إلى صور ونازلها فلم يظفر منها بشيء.

وفيها قطعت دعوة المستنصر من مكة ودعي بها للقائم العباسي وللسلطان عضد الدولة ألب أرسلان بن داود بن ميكال بن مسلجوق بن دقاق. وكان سبب انقطاع دعوة المستنصر بها أنه كان ينفق في كل سنة على القافلة المجهزة إلى مكة في الموسم مائة ألف وعشرون ألف دينار، منها عن الطيب والخلوق والشمع راتباً في كل سنة عشرة آلاف دينار، ونفقة الوفد الواصلين إلى الحضرة أربعون ألف دينار، وعن الجرايات والصدقات وأجرة الجمال

<<  <  ج: ص:  >  >>