للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر ابتداء الفتنة الّتى آلت إلى إخراب ديار مصر

وفى هذه السنة ابتدأت الفتنة التى كانت سببا لخراب الإقليم. وذلك أن المستنصر كان من عادته فى كل سنة أن يركب على النّجب ومعه النّساء والحشم إلى جبّ عميرة (١)، وهو موضع نزهة، ويغيّر هيئته، كأنه خارج يريد الحج على سبيل الهزر والمجانة، ومعه الخمر محمول فى الرّوايا عوضا عن الماء، ويدور به سقاته عليه وعلى من معه كأنه بطريق الحجاز أو كأنّه ماء زمزم. وقد أنشد الشريف أبو الحسين على بن الحسين بن حيدرة العقيلى المستنصر فى ذلك صبيحة يوم عرفة:

قم فانحر الرّاح يوم النحر بالماء … ولا تضحّ ضحى إلاّ بصهباء

وادرك (٢) حجيج النّدامى قبل نفرهم … إلى منى، فصفّهم مع كل هيفاء

وعج على مكة الروحاء (٣) مبتكرا … فطف بها حول ركن العود والنّاء

فلما كان فى جمادى الآخرة خرج على عادته؛ واتفق أن بعض الأتراك جرّد سيفا فى سكرة منه على بعض عبيد الشراء، فاجتمع عليه عدّة من العبيد وقتلوه. فغضب لذلك جماعة الأتراك واجتمعوا بأسرهم ودخلوا على المستنصر، وقالوا، إن كان هذا الذى قتل منّا عن رضاك فالسّمع والطاعة، وإن كان قتله عن غير رضا أمير المؤمنين فلا صبر لنا على ذلك.

وأنكر المستنصر أن قتله برضاه أو أمره؛ فخرج الأتراك واشتدّوا على العبيد يريدون


(١) فى الجهة البحرية (الشمالية) من القاهرة المعزية؛ وهو أيضا بركة الحجاج إذ كان الحجاج يتجمعون بهذا الموقع قبل تحركهم للحج وعند عودهم. وعميرة بن تميم التجيبى، الذى سمى المكان باسمه، من بنى القرناء. الخطط: ١٦٣:٢ - ١٦٤.
(٢) بتسهيل الهمزة.
(٣) يقول ياقوت: لما رجع تبع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها فأراح وسماها الروحاء. وقال أيضا: وإنما سميت الروحاء لانفتاحها وروحها. معجم البلدان: ٢٩٦:٤ - ٢٩٧.