للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثمان وعشرين وخمسمائة (١)

فيها عهد الحافظ إلى ولده سليمان، وكان أسنّ أولاده وأحبّهم إليه، وأقامه ليسدّ مكان الوزير ويستريح من مقاساة الوزراء وجفائهم عليه ومضايقتهم إياه فى أوامره ونواهيه، فمات بعد ولاية العهد بشهرين، فحزن عليه مدّة. ثمّ جعل ابنه حيدرة ولىّ عهده ونصبه للنّظر فى المظالم، فشقّ ذلك على أخيه حسن لأنه كان يروم ذلك لكثرة أمواله وتلاده وحواشيه وموكبه، بحيث كان له ديوان مفرد. وما زالت عقارب العداوة تدبّ بينهما حتى وقعت الفتنة بين الطائفة الجيوشية والطائفة الرّيحانيّة (٢)، وكانت شوكة الرّيحانية قوية والجند يشنئونهم خوفا منهم فاشتعلت نيران الحرب بين الفريقين؛ وصاح الجند: يا حسن يا منصور، يا للحسنيّة.

والتقى العسكران؛ فقتل بينهما ما يزيد على خمسة آلاف رجل (٣). فكانت أوّل مصيبة نزلت بالدولة من فقد رجالها ونقص عدد عساكرها؛ ولم يسلم من الرّيحانيّة إلاّ من ألقى نفسه فى بحر النيل من ناحية المقس (٤). واستظهر حسن وصار الأمر إليه، فانضمّ له أوباش العسكر وزعّارهم (٥)، وفرّق فيهم الزّرد وسمّاهم صبيان الزّرد، وصاروا لا يفارقونه ويحفّون به إذا ركب، ويلازمون داره إذا نزل.

فقامت قيامة النّاس، وقبض على ابن العساف وقتله واختفى منه الحافظ وحيدرة؛


(١) ويوافق أول المحرم منها أول نوفمبر سنة ١١٣٣.
(٢) تنسب الطائفة الجيوشية إلى أمير الجيوش بدر الجمالى أما الريحانية فلعلها تنسب إلى عزيز الدولة ريحان القائد الذى تولى إخماد ثورة بنى قرة فى البجيرة أيام المستنصر، فنال حظوة الخليفة وقرب إليه جماعة من المغاربة وزاد فى أعطياتهم. وهناك حارة من حارات القاهرة عرفت باسم حارة الريحانية نسبة إلى هذه الطائفة العسكرية، ثم سكنها بهاء الدين قراقوش من رجال صلاح الدين الأيوبى فأصبحت تعرف باسم حارة بهاء الدين. المواعظ والاعتبار: ٢:٢؛ النجوم الزاهرة: ٣٨:٤، ٤٥؛ الفاطميون فى مصر: ٢١٠ - ٢١١.
(٣) يذكر النويرى أن القتلى كانوا نحو عشرة آلاف. ويبدو أن تعليق المقريزى هنا بأن هذه كانت أول مصيبة نزلت بالدولة «من فقد رجالها ونقص عدد عساكرها» غير دقيق، ذلك أن فتنا كثيرة حدثت زمن المستنصر بين الأتراك والكتاميين، واشترك السودانيون فى بعضها، ثم جاء بدر الجمالى الأرمنى بجنوده فقضى على كثير من الجند والقادة الذين خشى إفسادهم وإضرارهم.
(٤) وكانت هذه المعركة فى الخامس من رمضان من هذه السنة. نهاية الأرب: ٢٨.
(٥) الزعارة بتشديد الزاى المفتوحة شراسة الخلق، ولا فعل له، والزعرور كعصفور السيئ الخلق، والعامة تقول رجل زعر وفيه زعارة. مختار الصحاح.