للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبلغه نزول مراكب الرّوم والبنادقة، وهى بضع وعشرون مركبا، على الإسكندرية، فبادر إليها (المؤتمن) (١)؛ فلمّا شاهده العدوّ أقلع، فأخذ منهم عدة قطع. وقدم على المؤتمن مشايخ اللّواتيّين والتزموا بحمل ثلاثين ألف دينار فى نظير جنايتهم، وأن يعفى عنهم؛ فأجابهم الوزير إلى ذلك؛ وحمل المال مع الرهائن.

وكان المؤتمن لمّا قدم إلى الثّغر خيّم بظاهره، وقبل من القاضى مكين الدّولة أبى طالب أحمد بن الحسن بن حديد بن أحمد بن محمّد بن حمدون، المعروف بابن حديد، متولّى الأحكام والإشراف بها، ما حمله إليه على حكم الضيافة ثلاثة أيّام، ثم أمره بإنفاقها بعد ذلك إلا ما يقتضيه رسمه خاصّة. وأظهر كتاب أخيه الوزير بأنّ الغلال بالثغر وأعمال البحيرة كثيرة، وكذلك الأغنام مع قطيعة العربان؛ فمهما دعت الحاجة إليه برسم أسمطة العساكر يحمل ويساق، وتكتب به الوصول على ما جرت به العادة. وأمره ألا يقبل من أحد من التجار ضيافة ولا هديّة.

وأظهر كتابا آخر إلى مكين الدّولة بأن يطلق فى كلّ يوم من ارتفاع الثغر من العين ما يبتاع به جميع ما يحتاج إليه من الأصناف برسم الأسمطة للعساكر. وكان يستخدم عليها من يراه من الشهود.

وكان تجار الثغر قد حملوا ثلاثة آلاف دينار فأبى المؤتمن قبولها (٢)، وأمر بإعادتها إلى أربابها؛ فأخذ مكين الدّولة يتلطّف فى أن يكون عوض ذلك طرفا وطيبا؛ فأقسم أنه لا يقبل منهم شيئا. واستمرت الأسمطة فى كل يوم؛ ولم يقبل لأحد هديّة.

واتّفق أنّ المؤتمن وصف له الطبيب دهن شمع والقاضى مكين الدولة حاضر، فأمر فى الحال بعض غلمانه بالمضىّ إلى داره ليحضر الدّهن المذكور، فلم يكن أكثر من مسافة الطريق حتى أحضر صرّا مختوما فكّ عنه، فوجد فيه منديل لطيف مذهب على مداف (٣) بللّور فيه ثلاث بيوت كل بيت عليه قتد ذهب مشبكة مرصّعة بياقوت وجوهر؛


(١) زيد ما بين الحاصرتين للتوضيح. ذلك أن المؤتمن رحل إلى الإسكندرية عقب فراغه من معركة اللواتيين.
(٢) فى الأصل: فأبى المؤتمن من قبولها.
(٣) داف الدواء وغيره يدوفه بله بماء أو غيره فهو مدوف ومدءوف، ومسك مدوف أى مبلول وقيل مسحوق. مختار الصحاح.