فيها هلك بهرام الأرمني بالقصر، وكان الحافظ لما أقدمه من الصعيد إلى عنده أنزله في القصر ولم يمكنه من التصرف، وكان يشاوره في تدبير أمور الدولة فيعجبه رأيه وحزمه وعقله. فلما مات في العشرين من ربيع الآخر حزن عليه حزناً كثيراً ظهر بسببه على القص غمة، وهم أن يغلق الدواوين ولا يفتحها ثلاثة أيام. وأحضر بطرك الملكية وأمره أن يجهز بهرام، فقام بتجهيزه. وأخرج نصف النهار في تابوت وعليه ثوب ديباج أحمر، ومن حوله النصارى يبخرون باللبان والصبار وسن العود، وجميع الناس مشاة، فلم يتأخر أحد من أعيان الوقت عن جنازته.
وخرج الخليفة علة بغلة شهباء وعليه عمامة خضراء وثوب أخضر بغير طيلسان؛ فسار خلف التابوت، وسار والناس تبكي والأقساء يعلنون بقراءتهم، والخليفة سائر؛ إلى دير الخندق من ظاهر القاهرة. فنزل الخليفة عن بغلته وجلس على شفير القبر وبكى بكاء شديداً.
وكان عاقلاً مقداماً في الحرب، حسن السياسة، جيد التدبير؛ وكان أولاً يقوم بأمر الأرمن، وسكناهم يومئذ في ناحية تل باشر، فتعصب عليه جماعة منهم وولوا غيره؛ فخرج مغضباً وقدم إلى القاهرة، فترقى في الخدم إلى أن ولي المحلة فقام بولايتها. ومنها سار في زي حسن إلى القاهرة ومعه من الأرمن نحو الألفين يقولون بقوله، فاستوزره الحافظ.
وفيها مات الفقيه أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن رشا المقدسي في آخر جمادى الآخرة.