للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة (١)

فيها هلك بهرام الأرمنى بالقصر، وكان الحافظ لمّا أقدمه من الصعيد إلى عنده أنزله فى القصر ولم يمكّنه من التّصرّف، وكان يشاوره فى تدبير أمور الدولة فيعجبه رأيه وحزمه وعقله. فلمّا مات فى العشرين من ربيع الآخر حزن عليه حزنا كثيرا ظهر بسببه على القصر غمّة، وهمّ أن يغلق الدّواوين ولا يفتحها ثلاثة أيّام (٢). وأحضر بطرك الملكيّة وأمره أن يجهّز بهرام، فقام بتجهيزه. وأخرج نصف النهار فى تابوت وعليه ثوب ديباج أحمر، ومن حوله النّصارى يبخّرون باللّبان والصّبّار وسنّ العود، وجميع الناس مشاة، فلم يتأخر أحد من أعيان الوقت عن جنازته.

وخرج الخليفة على بغلة شهباء وعليه عمامة خضراء وثوب أخضر بغير طيلسان؛ فسار خلف التّابوت، وسار والنّاس تبكى والأقساء يعلنون بقراءتهم، والخليفة سائر؛ إلى دير الخندق (٣) من ظاهر القاهرة (٤). فنزل الخليفة عن بغلته وجلس على شفير القبر وبكى بكاء شديدا.

وكان عاقلا مقداما فى الحرب، حسن السّياسة، جيّد التّدبير؛ وكان أوّلا يقوم بأمر الأرمن، وسكناهم يومئذ فى ناحية تلّ باشر، فتعصّب عليه جماعة منهم وولّوا غيره؛ فخرج مغضبا وقدم إلى القاهرة، فترقّى فى الخدم إلى أن ولى المحلّة فقام بولايتها. ومنها سار فى زىّ حسن إلى القاهرة ومعه من الأرمن نحو الألفين يقولون بقوله، فاستوزره الحافظ.

وفيها مات الفقيه أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن رشا المقدسى فى آخر جمادى الآخرة.


(١) ويوافق أول المحرم منها السابع عشر من أغسطس سنة ١١٤٠.
(٢) يذكر النويرى أن الحافظ أمر فعلا بغلق الدواوين ثلاثة أيام. نهاية الأرب: ٢٨.
(٣) كان يقع ظاهر القاهرة من بحريها، عمره القائد جوهر عوضا عن دير هدمه فى القاهرة ونقل إليه عظاما كانت بالدير القديم وجمعها فى بئر عرفت ببئر العظام؛ وهذا الدير كان قريبا من الجامع الأقمر، وقد هدم أيام المنصور قلاون سنة ثمان وسبعين وستمائة، ثم أنشئ فى موقعه كنيستان، وعندهما أخذ النصارى يدفنون موتاهم فى مقبرة عرفت باسم مقبرة الخندق، وعمرت هاتان الكنيستان عوضا عن الكنائس التى هدمت فى المقس. المواعظ والاعتبار: ٥٠٧:٢، ٥١١.
(٤) يذكر النويرى هذا ويضيف إليه أنه قيل إنه دفن فى بستان الزهرى فى الكنيسة المستجدة.