للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين العالى بالله إلى أمير المؤمنين المستنصر بالله». فعيب عليه بمصر قلة تصوّره ومعرفته بأنه لا يجوز أن يكون أمير المؤمنين فى زمان واحد اثنان. ثم ألجأت الضرورة إلى مكاتبته بنحو ممّا كتب، وكان اليازورى إذ ذاك وزيرا، فقال أنا أخلّص هذه القضية وأعلّقها بمعنى دقيق لا يبين للمكاتب، وكان صاحب حيل؛ يكتب إليه: «من أمير المؤمنين المستنصر بالله معدّ إلى العالى بالله أمير المؤمنين خالقه»؛ وهذا من طريف التخلصات التى تميز بها.

وحكى عظيم الدّولة متولّى السّر، قال: كنت فى جملة الموكلين على النّاصر (١) ثم على البابلىّ بعده، فكنت أرى من رئاسة الوزير الأول - يعنى اليازورى - على شبيبته ورجاحته وسكون حاشيته، ومن طيش البابلىّ وخفّته ونقصه ما أعجب منه؛ وهو أنّى لما كنت موكلا باليازورى كنت أراه ملازما لعتبة باب المجلس فى القاعة لا يتغيّر مكانه منها. وكان البابلىّ يراسله بما يمضى ويوصينا إذا مضينا إليه بالإزعاج عند فتح الباب وإكثار قلقلته لنزعجه ونروعه بذلك؛ فو الله ما كان يكترث ولا ينزعج. وإذا دخل متولّى السّتر يكون جلوسه منه فى الاعتقال كجلوسه منه فى حال نظره، ويخاطب بما يرضى فيجيب بسكون وهدوء وكأنه فى الدّست جالس. فدخل إليه فى أكثر من ثلاثين صقلبيا وبلّغه ما أوصاه البابلىّ، فأجابه، ثم نهض وقال: يا سيّدى صرفتنى من السّتر بغير ذنب ثم أعدتنى إليه بغير مسألة، فما كان سبب ذلك؟ فرفع طرفه إليه كأنّه يخاطبه من دست الوزارة وقال له: كان صرفك فى الأوّل برأيى واختيارى ثم أعدتك لما عرفت من ميل مولانا إلى استخدامك. فخرج متولّى الستر وهو يعجب من سكون حاله وقلّة احتفاله فى الجواب، مع حاجته إليه فى مثل ذلك الوقت الذى يقدر فيه على الإحسان إليه وعلى الإساءة؛ وكان يظنّ أنه يعتذر إليه، فلم يكن منه غير ما تقدم ذكره.


(١) المقصود به الوزير ناصر الدين اليازورى.