للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة سبع وثمانين وأربعمائة (١):

فى شهر ربيع، وقيل فى جمادى الأولى (٢)، توفى أمير الجيوش بدر الجمالى من مرض نزل به من أوّل السنة حتى أسكت فلم يقدر على الكلام إلى أن مات وقد ناهز ثمانين سنة؛ وجنسه أرمنى؛ وكان مملوكا لجمال الدولة ابن عمّار، فلذلك قيل له بدر الجمالى. وما زال يأخذ نفسه بالجدّ من شبيبته فيما يباشره، ويوطّن نفسه على قوة العزم فيما يرومه، ويتنقّل فى الرتب العليّة، حتى ولى بلاد الشام وتقلّد إمارة دمشق من قبل المستنصر مرّتين، وثار عليه أهلها.

وكانت فى إمارته الفتنة العظيمة التى احترق فيها قصر الإمارة وجامع بنى أمية. ثم إنّه رحل عن دمشق إلى مصر، وقلّده المستنصر عكّا. فلما فسدت أحوال مصر وتغيرت أمورها وخربت كان يبلغه ذلك فيتحسّر لما يبلغه ويتلهف لكونه بعيدا عن مصر. فلما كاتبه المستنصر ودخل إلى القاهرة تحكّم فى بلاد مصر تحكّم الملوك، ولم يبق للمستنصر من أمر، وألقى إليه مقاليد مملكته، وسلّم إليه أمور خلافته، فضبطها أحسن ضبط. فاشتدّت مهابته فى قلوب الخاصّة والعامّة، وخاف سطوته كلّ جليل وكبير، لعظم بأسه وكثرة بطشه، وقتله من الخلائق ما لا يمكن ضبطهم ولا يعلم عدتهم إلا إلههم سبحانه. وبقتله أكابر المصريين من الأمراء والقوّاد والوزراء والأعيان، من أهل القاهرة ومصر وبلاد الصعيد وأسفل الأرض وثغر دمياط وتنّيس والإسكندرية، الذين كانوا قد تمرّنوا على الفساد، ونشئوا فى الفتن واعتادوا مضرة الخلق، ولصلاح أحوالهم من ذلك صلحت الديار المصريّة بعد فسادها، وعمرت بعد خرابها، وزال عكس (٣) المستنصر وابتدأت سعادته.


(١) ويوافق أول المحرم منها الحادى والعشرين من يناير سنة ١٠٩٤.
(٢) هكذا ورد فى الأصل: فى شهر ربيع (دون تحديد أى الربيعين)، وقيل فى جمادى الأولى. ويوافق النويرى المقريزى فى هذا ويحدد ربيع بأنه ربيع الأول. ويحدد ابن الأثير وفاته فى ذى القعدة. راجع الكامل: ٨١:١٠. ولا يحدد صاحب النجوم الزاهرة الشهر. ويذكر ابن القلانسى أنه مرض فى هذه السنة واشتد به مرضه فى جمادى الأولى منها وتوفى فى العاشر منه. ذيل تاريخ دمشق: ١٢٧ - ١٢٨.
(٣) استعمال مستخدم فى عصرنا هذا، يقصد به التعبير عن انكشاف الغمة وانفراج الكربة.