للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة اثنين وتسعين وأربعمائة (١):

فيها سار الفرنج لأخذ سواحل البلاد الشامية من أيدى المسلمين؛ فملكوا مدينة أنطاكية وساروا إلى المعرّة (٢) فملكوها؛ ثم رحلوا عنها إلى جبل لبنان فقتلوا من به؛ ووصلوا عرقة (٣) فحاصروها أربعة أشهر فلم يقدروا عليها. ونزلوا على حمص، فهادنهم جناح الدولة حسين (٤)؛ وخرجوا على طريق النواقير (٥) إلى عكا. ثم أخذوا الرملة فى ربيع الآخر، وزحفوا منها إلى بيت المقدس فحاصروا المدينة؛ وبلغ ذلك الأفضل فخرج بعساكر كثيرة لمحاربتهم؛ فجدّ الفرنج عند ما بلغهم مسيره إليها فى حصار المدينة، وكان نزولهم عليها فى شهر ربيع الآخر، حتى ملكوها يوم الجمعة الثانى والعشرين من شعبان بعد أربعين يوما.

وهدموا المشاهد وقبر الخليل ، وقتلوا عامّة من كان فى البلد؛ وكان فيه من العبّاد والصلحاء والعلماء والقرّاء وغيرهم خلائق لا يقع عليهم حصر، فوضعوا السيف فيهم وأفنوهم عن آخرهم، ولم يفلت منهم إلا اليسير. وانحازت عدة من المسلمين إلى محراب داود فحاصرهم الفرنج نيّفا وأربعين يوما حتى تسلموه بالأمان فى يوم الجمعة ثانى عشريه.

وأحرقوا ما كان ببيت المقدس من المصاحف والكتب، وأخذوا ما كان بالصخرة من قناديل الذهب والفضة والآلات، وكان مبلغا عظيما (٦). ويقال إنه قتل فى المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا، وأنهم لحقوا من فرّ من المسلمين مسيرة أسبوع يقتلون من أدركوه منهم.


(١) ويوافق أول المحرم منها الثامن والعشرين من نوفمبر سنة ١٠٩٨.
(٢) هى معرة النعمان بين حماة وحلب، وكانت تعد من أعمال حمص، تستقى بماء العيون وبها كثير من أشجار الزيتون. معجم البلدان: ٩٦:٨ - ٩٧.
(٣) عرقة بكسر العين وسكون الراء، تقع على أربعة فراسخ من طرابلس من الشمال الشرقى فى سفح جبل، بينها وبين البحر نحو ميل. معجم البلدان: ١٥٥:٦ - ١٥٧؛ انظر كذلك: A History of the Crusades; Vol.I;map p .٣٠٦ ؛ وكتاب: The Damascus chronicle of the Crusades .
(٤) صاحب حمص، من رجال تاج الدولة تتش، وكان قد ولاه الوصاية على ابنه رضوان الذى خلفه فى حلب. الكامل: ١٠. وثب عليه ثلاثة من الباطنية فى يوم جمعة من سنة ٤٩٦ عند ما دخل مصلاه بعد نزوله من القلعة فقتلوه وقتلوا جماعة معه. ذيل تاريخ دمشق: ١٤٢.
(٥) فرجة فى الجبل بين عكا وصور. معجم البلدان: ٣١٩:٨ - ٣٢٠.
(٦) وتولى بيت المقدس Godfrey بعد نزاع قصير حول هذه الولاية إذ برزت فكرة تعيين نائب للبابا يمثله فيها لقداستها. ومات جودفرى - وتكتبه المصادر العربية كندفرى - فى سنة ٤٩٤.