للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثمان وخمسين وخمسمائة (١):

فيها زالت دولة بنى رزّيك. وذلك أنّ مماليك الصّالح وغلمانه، مثل يانس وورد وسعادة الأسود وبختيار، اشتد ظلمهم؛ وكان الصّالح قد قدّمهم حتى صار لكلّ منهم نحو المائتى مملوك، وطغوا فى أيّام رزّيك حتى ضجّ النّاس منهم. وقال بعضهم:

أمنتم يا بنى رزّيك جهلا … فذاك الأمر يتبعه الأمانى

أباد الله دولتكم سريعا … فقد ثقلت على كتف الزّمان

وكان شاور بن مجير السّعدى لمّا بلغه أنّ النّاصر رزّيك بن الصّالح طلائع بن رزّيك عزله عن ولاية قوص وولّى غيره اضطرب وخرج من قوص فى جماعة قليلة، فسار على طريق الواحات فى البرارى حتّى صار فى تروجة (٢)، فاجتمع عليه النّاس وقوى أمره وتزايد.

فاهتمّ لذلك رزّيك ورأى فى منامه وكأنه قد صار روّاسا (٣) فى حانوت؛ فلمّا قصّ هذه الرؤيا على حسين بن أبى الهيجاء نظر عابرا، كان تاجرا حاذقا، يعرف بابن الارتاحى (٤)، وأخبره بما رأى، فغالطه فى التفسير، وفهم ذلك حسين. فلمّا خرج ألزمه أن يصدقه بتأويل ما رآه رزّيك، فقال يا مولاى القمر عندنا هو الوزير كما أنّ الشمس الخليفة، والحنش المستدير عليه جيش مصحّف، وكونه روّاسا أقلبها تجدها شاورا مصحّفا؛ وما وقع لى غير هذا. فقال اكتم هذا عن الناس. وأخذ حسين يحتاط لنفسه، وتجهّز إلى الحجاز (٥).


(١) ويوافق أول المحرم منها العاشر من ديسمبر سنة ١١٦٢.
(٢) قرية من أعمال محافظة البحيرة حاليا، وكانت من أعمال الاسكندرية فى الطريق منها إلى القاهرة واشتهرت بزراعة الكمون. معجم البلدان: ٣٨٤:٢؛ قوانين الدواوين: ١٢٢، ٢٢٩.
(٣) فى المواعظ والاعتبار: ٩٥:٢ حديث عن سوق يسمى سوق خان الرواسين يقول فيه: كان على رأس سويقة أمير الجيوش، قيل له ذلك من أجل أن هناك خانا تعمل فيه الرءوس المعمومة. وكان فيه عدة من البياعين ويشتمل على نحو العشرين حانوتا مملوءة بأصناف المأكولات، وكان من أحسن أسواق القاهرة وقد اختل وتلاشى أمره.
(٤) أخطأ أبو المحاسن فى تسميته بابن الايتاخى. النجوم الزاهرة: ٣١٦:٥. إذ ورد بهامش الأصل عبارة تقول: «وبخطه: الارتاحى هو أبو الحسن على بن محمد بن محمد بن عبد الله بن نفطويه الارتاحى المذحجى ...... ، ولد فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة بمصر ومات بها فى ثامن عشر جمادى الآخرة سنة تسع وستين وخمسمائة».
(٥) وكان العادل قد جهزه لحرب شاور فانهزم عند لقاء جيش شاور وفر، فندب العادل عز الدين حسام بن فضة فانهزم منه أيضا. نهاية الأرب: ٢٨.