وفيها وردت التجار من عيذاب ذاكرين أنه خرج عليهم في مراكب شنها قاسم بن أبي هاشم، صاحب مكة، فقطعت عليهم الطريق وأخذ جميع ما كان معهم. فغضب الأفضل وقال: صاحب مكة يأخذ تجاراً من بلادي، أنا أسير إليه بنفسي بأسطول أوله عيذاب وآخره جدة. ثم تقرر الحال على مكاتبة الأشراف بمكة وإعلامهم ما فعله أمير مكة، وأقسم فيه أنه لا يصل إلى مكة من أعمال الدولة تاجر ولا حاج إلى أن يقوم بجميع ما أخذه من أموال التجار. وكتب إلى والي قوص بأن يسير بنفسه أو من يقوم مقامه، إلى عيذاب، ومهما وصل من جدة من الجلاب لا يمكن أحداً من الركوب فيها، وأن يتشوف ما يدخل عيذاب من الشواني والحراريق، فمهما كان يحتاج إلى إصلاح ومرمة ينجز الأمر فيه؛ ويشعر أهل البلاد بوصول الرجال والأموال لغزو البلاد الحجازية. وتقدم إلى المستخدمين بصناعة مصر بتقديم خمسة حراريق وتكميلها ليسيروا إلى الحجاز.
فلما وردت المكاتبة على الأشراف بمكة ولم يصل إليها أحد اشتد الأمر عندهم وتحرك السعر، فبعثوا رسولا من أميرهم، فلما وصل ساحل مصر لم يؤبه له ولا أجرى عليه ضيافة، وقيل له: ما يقرأ لك الكتاب، ولا يسمع منك خطاب دون إعادة المأخوذ من التجار إليهم. وشاهد مع ذلك الجد والاهتمام بأمر الأساطيل وتجهيز العساكر إلى صاحبه، فالتزم بإحضار جميع أموال التجار، وسأل التوقف قبل الإسراع بما عول عليه من قصد صاحبه؛ وأجل لعوده أجلا قريباً. فأجيب إلى ذلك، وسار. فلم ينقض الأجل حتى عاد وصحبته جميع