للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (١)

فيها خرج العسكر من القاهرة لحفظ ثغر عسقلان من الفرنج، وكانوا قد نزلوا عليها فى السنة الخالية. وكانت العادة أن يخرج فى كل ستّة أشهر عسكر بدلا من العسكر الّذى بالثغر. فلمّا قدم البدل كانت النّوبة لركن الدّين المظفّر أبى منصور عبّاس بن تميم ربيب العادل، فخرج ومعه من الأمراء ابنه نصر بن عبّاس والأمير ملهم والضّرغام وأسامة ابن منقذ وغيره، وكان لأسامة بعبّاس اختصاص كبير. فلمّا نزلوا بعد رحيلهم من القاهرة على بلبيس تذكّر عبّاس وأسامة مصر وطيبها وما هم خارجون إليه من مقاساة السّفر ولقاء العدوّ، فتأوّه عبّاس أسفا على مفارقته لذّاته بمصر، وأخذ يلوم العادل ويثرّب عليه (٢) من أجل كونه أخرجه. فقال له أسامة: لو أردت كنت أنت سلطان مصر. فقال: وكيف لى بذلك؟ فقال: هذا ولدك ناصر الدّين بينه وبين الخليفة مودّة عظيمة، فخاطبه على لسانه أن تكون سلطان مصر موضع عمّك، فإنه يحبك ويكره عمّك؛ فإذا أجابك فاقتل عمّك. فوقع هذا الكلام من عباس بموقع وقبله، فاستدعى ابنه وأسرّ إليه بما تقرّر بينه وبين أسامة وسيّره سرّا إلى القاهرة.

وكان العادل قد كره تخصيص نصر بن عبّاس بالخليفة الظّافر، وقال لعبّاس [وأمّه] (٣) والله ما ينبغى اجتماع نصر بالخليفة؛ قولا له يقصر من اجتماعه فربّما نتج من شابّين ما لا ينبغى. وقال لأم عبّاس: لا يدخل ابنك دارى إلا بإذنى. فكأنّه يوحى بأنه قاتله.

فلمّا سار نصر من عند أبيه ودخل إلى القاهرة كان وقت غفلة من العادل أمكنته فيها الفرصة، فاجتمع بالظّافر وأعلمه بالحال الّتى قدم من أجلها، فأعجبه ذلك وأذن فيه، لما كان فى نفسه من قتل ابن السّلار لصبيان الخاصّ وغير ذلك. ففارق نصر


(١) ويوافق أول المحرم منها السابع والعشرين من مارس سنة ١١٥٣.
(٢) التثريب التعبير والاستقصاء فى اللوم؛ وثرب عليه تثريبا قبح عليه فعله. مختار الصحاح.
(٣) أضيف ما بين الحاصرتين لأن سياق الكلام يقتضيه.