إلى الإسكندرية فانزعج الخليفة لذلك. ثم إنه سير إلى اليمن الموفق علي بن نجيب الدولة، وكان من أهل الأدب فصيحاً داهية، ليحقق لنسبه هناك ويدعو الناس إلى بيعته، فلما قيل للآمر هذا، ما شك فيه، وأخذ يتحيل في الإيقاع به بعد عود أخيه من ولايات الإسكندرية والغربية والبحيرة والجزيرتين والدقهلية والمرتاحية؛ فاختلق الآمر قضية يلتمسها من الإسكندرية وهو مقيم بها، فسير أستاذاً من ثقاته، ظاهره فيما ندبه إليه وباطنه في العلم على المأمون وأخيه، وقال له: أحرص على اجتماعك بعلي ابن السلار في المسايرة وسلم عليه عنا، وقل له وقل له إننا ما زلنا نلتفت إليه وندخره لمهماتنا ونتحقق فيه الموافاة لنا، وإنا بحمد الله قادرون على المكافأة بالخير أكثر من غيرنا، وقد تلونت أحوال المأمون وبالغ في عقوقنا بأشياء لا يتسع لها ذكرنا. ومقصودنا أن تكتم عنا ما نقول لك.
فلما بلغه الأستاذ ذلك عن الآمر قال: السمع والطاعة لمولانا، وأنا مملوكه وأذل نفسي في خدمته. فقال الأستاذ: هكذا والله قال عنك. قال ابن السلار: فما يأمر به؟ قال: تحد رجالك بأجمعهم في الانفصال عن المؤتمن، أنت ومن تثق به.
فلما تقرر ذلك اتفق علي بن السلار وهو وقايماز ودرى الحرون، وكانوا أمراء الجماعة فتفرقوا عنه وتبعهم الباقون، فانفرد المؤتمن واستوحش وكاتب أخاه المأمون بذلك؛