فيها زالت دولة بني رزيك. وذلك أن مماليك الصالح وغلمانه، مثل يانس وورد وسعادة الأسود وبختيار، اشتد ظلمهم؛ وكان الصالح قد قدمهم حتى صار لكل منهم نحو المائتي مملوك، وطغوا في أيام رزيك حتى ضج الناس منهم. وقال بعضهم:
أمنتم يا بني رزّيك جهلا ... فذاك الأمر يتبعه الأماني
أباد الله دولتكم سريعا ... فقد ثقلت على كتف الزّمان
وكان شاور بن مجير السعدي لما بلغه أن الناصر رزيك بن الصالح طلائع بن رزيك عزله عن ولاية قوص وولي غيره اضطرب وخرج من قوص في جماعة قليلة، فسار على طريق الواحات في البراري حتى صار في تروجة، فاجتمع عليه الناس وقوي أمره وتزايد. فاهتم لذلك رزيك ورأى في منامه وكأنه قد صار رواسا في حانوت؛ فلما قص هذه الرؤيا على حسين بن أبي الهيجاء نظر عابرا، كان تاجرا حاذقاً، يعرف بابن الأرتاحي، وأخبره بما رأى، فغالطه في التفسير، وفهم ذلك حسين. فلما خرج ألزمه أن يصدقه بتأويله ما رآه رزيك، فقال يا مولاي القمر عندنا هو الوزير كما أن الشمس الخليفة، والحنش المستدير عليه جيش مصحف، وكونه رواساً أقلبها تجدها شاورا مصحفاً؛ وما وقع لي غير هذا. فقال اكتم هذا عن الناس. وأخذ حسين يحتاط لنفسه، وتجهز إلى الحجاز.