للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونادى رئيس الرؤساء: يا علم الدّين قريش، أمير المؤمنين يستدنيك. فدنا منه؛ فقال رئيس الرؤساء له: قد آتاك الله منزلة لم ينلها أمثالك؛ وطلب منه الأمان للخليفة القائم، فأمنه. ونزل إليه الخليفة والوزير رئيس الرؤساء، وصارا معه. فبعث إليه البساسيرى:

تخالف ما استقرّ بيننا! فقال قريش: لا. وكانا قد تعاهدا على المشاركة فى جميع ما يحصل لهما؛ فاستقرّ الأمر على أن البساسيرى يتسلّم الوزير رئيس الرؤساء وأن قريش ابن بدران يتسلّم الخليفة القائم فيكون عنده. فبعث حينئذ قريش بالوزير إلى البساسيرى؛ فلما مثل بين يديه قال له: العفو عند القدرة. فقال البساسيرى: أنت صاحب الطيلسان ما عفوت عن دارى وحرمى وأطفالى، فكيف أعفو وأنا صاحب سيف (١).

ثم إن قريش بن بدران سار فى خدمة الخليفة، وهو راكب بالصّفة التى تقدّم ذكرها إلى معسكره، فأنزله فى خيمة وهيّأ له ما يقوم به، ووقع النّهب فى دار الخلافة مدّة أيّام، وأخذ منها ما لا يحصى كثرة، وبعث منها إلى مصر منديل القائم الذى عمّمه بيده، قد جعل فى قالب رخام لكيلا ينحلّ، مع ردائه، والشباك الذى كان يتوكأ عليه؛ فعمل فى دار الوزارة بالقاهرة. وأما العمامة والرّداء فبعثهما السّلطان صلاح الدّين يوسف، لمّا استولى على القصر، إلى الخليفة المستضيء ببغداد مع الكتاب الّذى كتبه على نفسه القائم وأشهد على نفسه العدول فيه أنّه لا حق لبنى العباس فى الخلافة مع وجود فاطمة الزهراء. وحمل أيضا إلى القاهرة الذخائر والكتب والقضيب والبردة. وسلّم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارس بن المجلى (٢)، وكان رجلا متديّنا، فحمله فى هودج إلى مدينة عانة وأنزله بها؛ وفرّ أصحاب الخليفة القائم إلى طغرلبك فصاروا فى جملته


(١) يذكر ابن الأثير هذه الواقعة بنفس هذه الألفاظ تقريبا، ويزيد أن البساسيرى استقبل الوزير بقوله: مرحبا بمهلك الدول ومخرب البلاد. الكامل: ٢٢٤:٩. وزاد ابن تغرى بردى: مرحبا بمدمر الدولة ومهلك الأمم ومخرب البلاد ومبيد العباد. النجوم الزاهرة: ٩:٥.
(٢) بهامش الأصل تعريف به يقول: «بخطه: مهارش بن المجلى بن عليت بن مختار بن شعب بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المرضى، أبو الحارث، أمير العرب، بالحديثة وعانة وماء الانبار؛ أقام عنده الخليفة القائم بأمر الله إلى أن عاد إلى مستقره. وتوفى فى صفر سنة تسع وتسعين وأربعمائة عن ثمانين سنة. وكان كثير الصدقة». اه. ويقول صاحب النجوم -