للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ستين وأربعمائة (١):

فى المحرّم خرج الأتراك مبرّزين إلى الرّملة حين قتل شهاب الدولة، وقد بلغت نفقه المستنصر فيهم ألف ألف دينار.

وفيه اشتد البلاء على المستنصر بقوّة الأتراك عليه وطمعهم فيه، فانخرق ناموسه، وتناقصت حرمته، وقلت مهابته؛ وتعنّتوا به فى زيادة واجباتهم. وكانت مقرراتهم فى كلّ شهر ثمانية وعشرين ألف دينار، فبلغت فى هذه السنة إلى أربعمائة ألف دينار فى كل شهر، فطالبوا المستنصر بالأموال.

وركب ناصر الدولة الحسين بن حمدان ومعه جماعة من قواد الأتراك، وحصروا المستنصر وأخذوا جميع الأموال، ثم اقتسموا الأعمال؛ وركبوا إلى دار الوزير ابن أبى كدينة يريدون الأموال، فقال: وأىّ مال بقى؟ الريف فى يد فلان والصعيد فى يد فلان والشام فى يد فلان. فقالوا: لا بدّ أن تنفذ إلى مولانا وتطلب منه وتعلمه بحضورنا. فكتب الوزير إلى المستنصر رقعة يذكر فيها حضورهم بألقابهم وما يطلبون؛ فخرجت الرقعة بخط المستنصر فيها مكتوب:

أصبحت لا أرجو ولا أتّقى … إلا إلهى، وله الفضل

جدّى نبيّى، وإمامى أبى … وقولى التوحيد والعدل

المال مال الله، والعبد عبد الله، والإعطاء خير من المنع. ﴿وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (٢)». واعتذر بأنه لم يبق عنده شيء. فاضطرّوه إلى إخراج ذخائره وذخائر


(١) ويوافق أول المحرم منها الحادى عشر من نوفمبر سنة ١٠٦٧.
(٢) سورة الشعراء: آية: ٢٢٧.