للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة اثنتين وستين وخمسمائة (١):

فيها جهّز الملك العادل نور الدّين الأمير أسد الدّين شيركوه من دمشق لقصد ديار مصر فى جيش قوىّ، ومعه جماعة من الأمراء، وكان كارها لمسير شيركوه لكثرة ما رأى من حرصه على السّفر (٢). فرحل يوم الجمعة العشرين من شهر ربيع الأول، وشيّعه السلطان إلى أطراف البلاد خوفا من مضرّة الفرنج، فسار على ميمنة بلاد الفرنج. وبعث مرى ملك الفرنج إلى شاور يخبره بمسير شيركوه بالعسكر إلى مصر، فأجابه يلتمس منه نجدته، وأنّ المقرر من المال يحمل إليه على ما كان يحمل فى السّنة الماضية.

فسار مرى بعساكره، وقد طمع فى البلاد، على السّاحل حتى نزل بلبيس، فخرج إليه شاور، وأقاموا فى انتظار شيركوه. فبلغه ذلك، فنكب عن الطّريق وهبط فى يوم السبت خامس ربيع الآخر من وادى الغزلان (٣) إلى أسكر (٤)، وخرج إلى إطفيح قبلىّ مصر فشنّ الغارة هناك.

واتّصل الخبر بشاور، فرحل هو والفرنج يريدونه. ونزل شاور والفرنج بركة الحبش


(١) ويوافق أول المحرم منها الثامن والعشرين من أكتوبر سنة ١١٦٦.
(٢) يقول ابن الأثير: وكان شيركوه بعد عوده من مصر فى المرة الماضية لا يزال يتحدث بها وبقصدها وكان عنده من الحرص على ذلك كثير. وقال أيضا: وكان نور الدين كارها لذلك لكن لما رأى جد شيركوه لم يمكنه إلا أن يرسل معه جمعا من الأمراء فى جيش قوى بلغت عدته ألفين!! وذلك خوفا من حادث يتجدد فيضعف الإسلام. الكامل: ١١ - ١٢١. ويحسن أن نلاحظ أن ابن الأثير كان يدين بولائه - شأنه فى ذلك شأن والده وبقية أفراد أسرته - لأسرة زنكى، وأنه لهذا كان لا يميل إلى الأيوبيين الذين خلفوا أسرة زنكى فى الشام بعد وفاة نور الدين ببضع سنين. ومن ثم يحسن الحذر فى الاعتماد على ابن الأثير فى مثل هذه الإشارات. والواقع أن نجاح الفرنج فى الاستيلاء على مصر كان سيؤدى إلى انهيار حكم نور الدين بالشام، فالحكمة تقتضى أن يتجه نور الدين بجهوده الحاسمة نحو مصر حتى لا تسقط فى أيدى الفرنج، وهذا هو الذى أدى إلى إنهاء حكم الفاطميين فى مصر.
(٣) ويعرف اليوم بوادى شراش بالجبل الشرقى تجاه ناحية القبابات بمركز الصف شمالى وادى إطفيح. النجوم الزاهرة: ٣٨٨:٥: حاشية: ١. ويقول أبو شامة: وعلم أسد الدين باجتماع الفرنج بشاور على بلبيس فنكب عن طريقهم وأم الجبل وخرج على إطفيح، وهى الجنوب من مصر، وشن الغارة هناك: كتاب الروضتين: ٤٢٤:١.
(٤) من أعمال الإطفيحية، والضبط من قوانين الدواوين، بينها وبين الفسطاط يومان؛ وكان عبد العزيز بن مروان يكثر الخروج إليها والمقام بها للنزهة وبها مات. قوانين الدواوين: ١٠٢؛ معجم البلدان: ٢٣٤:١.