في ربيع الأول ولد للآمر ولد سماه أبا القاسم الطيب، فجعل ولي عهده؛ وأمر فزينت القاهرة ومصر، وعملت الملاهي في الإيوانات وأبواب القصور، وكسيت العساكر، وزينت القصور. وأخرج الآمر من خزائنه وذخائره قماشاً ومصاغاً ما بين آلات وأواني من ذهب وفضة وجوهر، فزين بها؛ وعلق الإيوان جميعه بالستور والسلاح. واستمر الحال على هذا أربعة عشر يوماً.
وأحضر الكبش الذي يعق به عن المولود، وعليه جل من ديباج، وفي عنقه قلائد الفضة، فذبح بحضرة الخليفة الآمر. وجيء بالمولود فشرف قاضي القضاة ابن ميسر بحمله؛ ونثرت الدنانير على رءوس الناس. ومدت الأسمطة العظيمة بعد ما كتب إلى الفيوم والقيلوبية والشرقية فأحضرت منها الفواكه، وملئ القصر منها ومن غيرها من ملاذ النفوس، وبخر بالعنبر والعود والند حتى امتلأ الجو من دخانه.
فيها تواترت الأخبار بتخويف الآمر من اغتيال النزارية وتحذيره منهم؛ وإعلامه بأنه قد خرج منهم قوم من المشرق يريدون قتله؛ فتحرز احترازاً كبيرا بحيث إنه كان لا يصل أحد من قطر من الأقطار إلا ويفتش ويستقصى عنه. وأقام عدةً من ثقاته يتلقون القوافل ليتعرفوا أحوال الواصلين ويكشفوا عنهم كشفاً جليا. وكلما اشتد الأمر كثر الخوف. واتصل به أن جماعةً من النزارية حصلوا بالقاهرة ومصر، فاحترز وتحيل في قبضهم فلم يقدر لما أراده الله؛ وفشا في الناس أمرهم، وكانوا عشرة فخافوا أن يظفر بهم، فاجتمعوا في بيت وقالوا إنه قد فشا أمرنا ولا نأمن أن يظفر بنا؛ واشتوروا. فقال أحدهم: الرأي أن تقتلوا رجلاً منكم وتلقوا برأسه بين القصرين لتنظروا إن عرفها الآمر