للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليجتمع النّاس؛ فلم يخرج إليه أحد وانفلّ النّاس عنه. فعاد إلى القاهرة وصار إلى باب الرّحبة من أبواب النّصر ولم يبق معه سوى خمسمائة فارس، فوقف وطلب الخليفة أن يشرف عليهم من الطّاق. فبلغ ذلك شاورا فسرّح فى الحال ابنه سليمان الطّارى إلى باب القنطرة ليملكه ويقف.

فلمّا طال وقوف ضرغام نادى: أريد أمير المؤمنين يكلّمنى لأسأله عمّا أفعل. فلم يجبه أحد. فصاح: يا مولانا كلّمنى، يا مولانا أرنى وجهك الكريم يا مولانا بحرمة أجدادك على الله؛ وهو يبكى فلم يجبه أحد. وقويت الشمس فصار إلى الظّلّ حتى قرب الظّهر، فأمر بعض غلمانه أن يركض فى قصبة (١) القاهرة ويقول بصوت عال: ما كانت إلاّ مكيدة على الرّجال، قد قتل الترك أصحاب شاور الرّيحانيّة. فما هو إلاّ أن سمع الناس ذلك - وكانوا قد صاروا إلى بيوتهم - فأسرعوا إلى خيولهم وعادوا من كلّ جانب مثل السّيل، فرأوا ضرغاما على تلك الهيئة، والطّاق لم يفتح له والخليفة لم يكلّمه، فسقط فى أيديهم وقالوا ارجعوا فهى كناية والغلبة لشاور؛ ورجعوا من حيث أتوا.

فوقف ضرغام إلى العصر ولم يبق معه غير ثلاثين فارسا، ووردت إليه رقعة فيها:

خذ لنفسك وانج بها. فأيس من الظّفر.

وبعث شاور إلى الخليفة العاضد يستأذنه فى الدّخول إلى القاهرة؛ فأذن له. فبعث شاور يأمر ابنه أن يدخل القاهرة، وهو عند القنطرة، فدخل وضربت أبواقه، وكانت من أبواق الترك التى لم تعهد بمصر، فما هو إلاّ أن علم به ضرغام، فمرّ على وجهه إلى باب زويلة، فتخطّف النّاس من معه، وعطعطوا عليه ولعنوه. فأدركه بعض الشّاميّين فى غلمان شاور وطعنه فأرداه، ونزل إليه واحتزّ رأسه بالقرب من مشهد السّيّدة نفيسة، وذلك قريبا من الجسر الأعظم، فى يوم الجمعة الثّامن والعشرين من جمادى الآخرة. وفرّ ملهم إلى مسجد تبر (٢)، فقتل هناك وترك مطروحا، وأتى برأسه إلى عند شاور. وقتل ناصر الدّين


(١) بسكون الصاد: القصر أو جوفه، والمدينة أو معظمها؛ والقصاب ككتاب، الديار واحدتها قصبة بفتح الصاد. القاموس المحيط.
(٢) يقع هذا المسجد خارج القاهرة مما يلى الخندق، قريبا من المطرية، وكان يسمى مسجد التبن، ويقال إنه بنى على رأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على. ويعرف أيضا بمسجد البئر والجميز. وتبر هذا كان أحد الأمراء