ويقال إن الآمر وافق المأمون على قتله، فرتب له من قتله.
ثم أمر أن يكتب سجل بتعزية الكافة في الأفضل والثناء على خصائصه ومساعيه، وإشعارهم بصرف العناية إليهم ومد رواق العدل عليهم؛ وتفريقه على نسخ تتلى على رءوس الأشهاد وبسائر البلاد. فكتب ما مثاله:
هذا كتاب من عبد الله ووليه المنصور أبي علي، الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين بما رآه وأمر به من تلاوة على كافة من بمدينة مصر حرسها الله تعالى من الأشراف والأمراء ورجال العساكر المؤيدة على اختلاف طبقاتهم، فارسهم ومترجلهم وراجلهم، والقضاة والشهود والأماثل، وجميع الرعايا، بأنكم قد علمتم ما أحدثته الأيام بتصاريفها، وجرت به الأقدار على عادتها ومألوفها من فقد السيد الأجل الأفضل ونعوته قدس الله روحه، ونور ضريحه، وحشره مع مواليه الطاهرين الذين جعلهم أعلام الهدى ومصابيحه الذي كان عماد دولة أمير المؤمنين وحمال أثقالها، وعلى يديه وحسن سيرته اعتمادها ومعولها، وتخطى الحمام إليه، واخترام المنية إياه وتسلطها عليه؛ وما تدارك الله الدولة به من حفظ نظامها، واستتار أمورها بعد هذا الفادح العظيم والتئامها؛ وما رآه أمير المؤمنين من تهذيبه الأمور بنظره السعيد، ومباشرته إياها بعزمه الشديد ورأيه السديد، واهتمامه بمصالح الكافة، وإسباغ ظل الإحسان عليهم والرأفة، حتى أصبحت الدولة الفاطمية بذلك ظليلة المناكب، منيرة الكواكب، محروسة الأرجاء والجوانب.
ولما كانت همة أمير المؤمنين مصروفة إلى الاهتمام بكم، والنظر في مصالحكم، والإحسان إليكم، وتأمين سربكم، وإعذاب شربكم، ومد رواق العدل عليكم، وإنصاف مظلومكم من ظالمكم، وضعيفكم من قويكم، ومشروفكم من شريفكم، وكف عوادي المضار بأسرها عنكم، وتمكينكم من التصرف في أديانكم على ما يعتقده كل منكم، جارين على رسمكم وعادتكم، من غير اعتراض عليكم رأى ما خرج به عالي أمره من كتب هذا السجل وتلاوته على جميعكم، لتثقوا به، وتسكنوا إليه، وتتحققوا جميل رأى أمير المؤمنين فيكم؛ وأنه لا يشغله عن مصالح الكافة شاغل، وأن باب رحمته مفتوح لمن قصده، وإحسانه عميم شامل، وله إلى تأمل أحوال الصغير والكبير منكم عين ناظرة،