للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة ثمانين وأربعمائة (١):

فيها مات أبو الفضل عبد الله بن الحسين بن بشرى، المعروف بابن الجوهرى، الواعظ المصرى فى العشر الأواخر من شوال؛ وهو أحد أكابر شيوخ مصر، وتصدّى سنين للوعظ بجامع عمرو بن العاص. حدّث عن جماعة؛ وله كلام فى الزهد والمواعظ؛ وهو من بيت علم وأسرة وعظ. ولما كانت أيّام الشدة والغلاء بمصر اجتمع إليه النّاس فى بعض الأيام وسألوه عقد المجلس للوعظ بالجامع العتيق، فقال: من يحضر عندى ومن بقى؟ فقالوا: لا بدّ من ذلك؛ فجلس، وكان من كلامه: أبشروا هذه سنة ثلاث، وأشار بيده، وهى متعلقة كلها، وسنة حلّ سنة أربع ويفتح الله، ورفع بنصره؛ وبعدها سنة خمس ويفتح الله؛ ورفع خنصره. فكان كما قال. وأنشد مرة فى بعض مجالسه:

ما يصنع اللّيل والنّهار … ويستر الثّوب والجدار

على كرام بنى كرام … تخيّروا فى القضا وخاروا

ومن كلامه: قد اختلّ أمر الدّين والدّنيا، وتعذّر الوصول إليهما، فمن طلب الآخرة لم يجد معينا عليها، ومن طلب الدنيا وجد فاجرا قد سبقه إليها.

وأنشد مرّة الخليفة المستنصر:

عساكر الشكر قد جاءت مهنئة … وللملوك ارتياب فى تأتّيها

بالباب قوم ذوو ضعف ومسكنة … يستصغرون لك الدّنيا بما فيها

وفيها بعث بردويل (٢) ملك الفرنج الذين يقال لهم الإفرنسيس عسكرا عليه أجار (٣) إلى صقلية فملكها من المسلمين.


(١) ويوافق أول المحرم منها الثامن من أبريل سنة ١٠٨٦.
(٢) البردويل: الصورة العربية للاسم الفرنجى Baldwin «بلدوين». وليس فى ملوك فرنسا فى هذه المرحلة من يحمل هذا الاسم؛ كما لا يوجد بين ملوك انجلترا ودوقات إيطاليا وأمراء صقلية من تسمى به.
(٣) وهو روجر الأول Roger I ، وقد قام بجهود متواصلة استغرقت ثلاثين سنة انتهت بسيطرته الكاملة على جزيرة صقلية، فكان ذلك بداية لسيطرة النورمان عليها. وكانت الثقافة الصقلية عند فتح النورمان للجزيرة مزيجا من التأثير الإغريقى والإسلامى، أما بقية المؤثرات الأخرى فلم يكن لها تأثير واضح. وقد احتفظ النورمان بالطابع الإسلامى الإغريقى المزدوج للحضارة الصقلية، وعملوا على ترقية تطورها فى الاتجاهين. دائرة المعارف البريطانية.