فيها سارت العساكر من مصر إلى دمشق، وكتب لناصر الدولة أبي علي الحسين بن حمدان أن يكون قائد الجيش؛ فسار من دمشق بعسكر كبير في سادس ربيع الأول يريد محاربة أهل حلب. وكانت مدينة حلب قد أقيمت فيها الدعوة الفاطمية، وأسقطت بها دعوة بني العباس إلى أيام الظاهر بن الحاكم، فتغلب عليها صالح بن مرداس، أحد أمراء الكلابيين، وكثف أمره بها حتى استولى على دمشق أمير الجيوش أنوشتكين الدزبري، أحد الغلمان الأتراك، فساس الأمور، وأطاعه كل مارق؛ وراسل الملوك. فنابذه صالح بن مرداس وجمع له العرب، وفيهم عدة الدولة حسان بن جراح، وسار لمحاربته، فكانت بينهما وقائع انهزم فيها حسان إلى بلاد الروم، وتفرق الجمع. ثم مات صالح وقام من بعده ابنه شبل الدول نصر بن صالح في حلب، فقام بمنابذة أمير الجيوش كما كان أبوه، وسار لقتاله، فقتل، وملك أمير الجيوش حلب فأقام بها رضي الدولة منجوتكين، أحد غلمانه، فأقام بها سنين. ومات أمير الجيوش فغلب على حلب ثمال بن صالح بن مرداس وملكها؛ ولم يقم أحد بعد أمير الجيوش مقامه.
فلما كانت وزارة الجرجرائي غمض طرفه عن ثمال، ورأى أن موادعته أخف من إنفاق الأموال في محاربته، فكتب بولايته وقرر عليه الحمل في كل سنة. وتمادى ذلك إلى أيام وزارة اليازوري فلم يرض بهذا، ورأى أن الحيلة أبلغ فيما يؤثره، لأنه إن رام صرفه لم يطق ذلك، وإن نابذه ألزم كلفاً كثيرة. فاستعمل السياسة والتدبير الخفي، وندب لذلك رجلا من أهل صور له بها رئاسة ووجاهة، يقال له عين الدولة علي بن عياض، قاضي صور، فساس الأمر وأحكم التدبير فيما قرره مع كاتب ثمال بن صالح وما وعده به، حتى