فيها أيضا قصر مد النيل؛ ونزع السعر؛ ووقع الوباء. ولم يكن في المخازن السلطانية إلا ما ينصرف في جرايات من في القصور ومطبخ الخليفة وحواشيه لا غير، فورد على الوزير من ذلك ما أهمه. وصار سعر التليس ثمانية دنانير، واشتد الأمر على الناس. وكان التجار بين نار المعاملين وضيق الحال عليهم في القيام للديوان بما يجب عليهم من الخراج، ومطالبة الفلاحين بالقيام به، يبتاعون منهم غلاتهم على أن يصبروا عليهم إلى حين إدراكه بسعر يربحون فيه. فإذا استقرت مبايعتهم لهم حضروا معهم للديوان، وقاموا عنهم للجند بما يجب عليهم، وكتب ذلك في روزنامج الجند مع مبلغ الغلة؛ فإذا أدركت الغلة وصارت الأجران يكتالونها ويحملونها إلى مخازنهم. فمنعهم الوزير من ذلك، وكتب إلى العمال بجميع النواحي أن يستعرضوا روزنامجات الجهابذة، ويحضروا منها ما قام به التجار من المعاملين، ومبلغ الغلة الذي رفع الإيقاع إليه، وأن يقدموا للتجار ما وزنوه للديوان ويربحوهم في كل دينار ثمن دينار؛ ويضعوا ختومهم على المخازن ويطالعوا ما يحصل تحت أيديهم بها. فلما تحصلت بالنواحي جهز المراك بحمل العلات، وأودعها المخازن السلطانية بمصر، وقرر ثمن كل تليس ثلاثة دنانير بعد أن كان ثمانية دنانير. وسلم إلى الخبازين ما يبتاعونه لعمارة الأسواق ووظف ما تحتاج إليه القاهرة ومصر، فكان ألف تليس في كل يوم، لمصر سبعمائة وللقاهرة ثلثمائة. فقام بالتدبير أحسن قيام مدة عشرين شهرا، حتى أدركت الغلة فتوسع الناس بها، وزال عنهم الغلاء.