فيها حفر البحر المعروف ببحر أبي المنجا، فابتدئ في حفره في يوم الثلاثاء السادس من شعبان، وأقام الحفر فيه سنتين. وكان أبو المنجا يهوديا وكان يشارف على الأعمال الشرقية؛ فلما عرض على الأفضل ما أنفقه فيه استعظمه وقال: غرمنا هذا المال جميعه والاسم لأبي المنجا. فغير اسمه ودعي بالبحر الأفضلي، فلم يتم ذلك ولا عرف إلا بأبي المنجا.
وفيها أعلن شمس الخلافة أسد، والي عسقلان، بالخلاف، فعهد إلى صاحب الترتيب والقاضي فأخرجهما على أنه يرسلهما إلى الباب في خدمة عرضت له؛ وإلى العسكر الذي كان يخاف شوكته؛ فأوهمهم أنه يسيرهم إلى بلاد العدو. فلما حصلوا خارج الثغر أمرهم بالمسير إلى باب سلطانهم؛ وكان قد سير قبل ذلك العسكر من الباب على جهة البدل. فلما علم أسد المذكور بوصولهم إلى مدينة الفرما أنفذ إليهم يخيفهم ويشعرهم أن العدو قد تعداهم، فامتنعوا من التوجه إلى عسقلان.
فلما بلغ الأفضل ذلك عزم على أن يسير بنفسه إليه. ثم رأى أن إعمال الحيلة أنجع؛ فخادعه وأنفذ الكتب إليه يطمئنه ويصوب رأيه فيما فعله في صاحب الترتيب والبدل، ولم يغير مكاتبته عن حالها، ولا تعرض لإقطاعاته ورسومه وأصحابه؛ وسير في الباطن من يستفسد الكنانية والرجال المذكورة ويبذل لهم الأموال في أخذه. ولم يزل يدبر عليه حتى اقتنصت المنية مهجته؛ وذلك أن أهل بيروت أنكروا أمره، فوثب عليه طائفة وهو راكب، فجرحوه، وانهزم إلى داره فتبعوه وأجهزوا عليه، ونهبوا داره وماله، وتخطفوا