للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة (١):

فى سابع المحرّم قرئ سجلّ القاضى أبى محمد اليازورى بالوزارة، ولقّب بالوزير الأجلّ المكين، سيد الوزراء، تاج الأصفياء، قاضى القضاة، وداعى الدّعاة، علم المجد، خالصة أمير المؤمنين؛ وخلع عليه (٢). فنظر فى الوزارة وليس من أهلها، ولا من أرباب الكتابة، فمضى فيها مضىّ الجواد، ونهض مسرعا نهوضا عزّ به فى وجوه من تقدّمه، مع ما بيده من قضاء القضاء، والدّعوة، والنظر فى ديوان السيدة. وكاتب ملوك الأطراف، فأجابوه، بوفور حقّه، إلاّ معزّ الدولة بن باديس الصّنهاجى صاحب إفريقية (٣)، فإنه قصّر فى المكاتبة عما كان يكاتب به من تقدّم من الوزراء، فإنّه كان يكاتب كلا منهم «بعبده» فجعل مكاتبته «صنيعته». فاستدعى الوزير أبا القاسم ابن الإخوة، وكيل ابن باديس بمصر، وعتب صاحبه عنده، وقال: أظنّ معزّا ينقصنى عمّن تقدّمنى؛ إذا لم أكن من أهل صناعة الكتابة، وإن لم أكن أوفى منهم فما أنا دونهم؛ ومن رفعه السّلطان ارتفع وإن كان خاملا، ومن وضعه اتّضع وإن كان جليلا نبيلا؛ فاكتب إليه بما يرجعه إلى الصواب. فكتب إليه بذلك؛ وقد أذكى الوزير عليه عيونا يطالعونه بأنفاسه. فلمّا وقف على كتاب ابن الإخوة قال: ما الذى يريد منى هذا الفلاح؛ لا كنت عبده ولا كان؛ هذا


(١) ويوافق أول المحرم منها السادس والعشرين من مايو سنة ١٠٥٠.
(٢) وخلع عليه المستنصر خلعا فاخرة: غلالة قصبا وطاقا وقميصا دبيقيا وطيلسانا وعمامة قصبا. وحمله على فرس رائع بموكب من ذهب وزنه ألف مثقال، وقاد بين يديه خمسة وعشرين فرسا وبغلا بمراكب ذهب وفضة، وحمل معه خمسين سفطا ثيابا أصنافا، وزاد فى نعوته وألقابه، وخلع على أولاده، وكتب له سجل التقليد بإنشاء ولى الدولة أبى على ابن خيران، وقرئ بحضرة المستنصر بالله بين قواده وخدمه ووجوه أجناده. ذيل تاريخ دمشق: ٨٤ - ٨٥.
(٣) بهامش الأصل تعريف به نصه: «المعز بن باديس بن المنصور بن يوسف بلكين بن زيرى بن مناد الصنهاجى، صاحب إفريقية، لقبه الحاكم بأمر الله شرف الدولة. ولد فى جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وملك بعد أبيه باديس لثلاث مضين من ذى الحجة سنة ست وأربعمائة وعمره ثمانى سنين وسبعة أشهر. وتوفى فى رابع شعبان سنة أربع وخمسين وأربعمائة. ولا يعرف له اسم سوى المعز ولا يعرف له كنية. وقطع خطبة المستنصر للقائم بأمر الله العباس.