للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فلما كان التاسع عشر من المحرم سنة ثلاث وسبعين.]

ابتدأ القتال مع قسّام، ووقع النفير فى البلد، فلم يخرج مع قسّام إلا حزبه من العيّارين، وقوم من أهل القرى كانوا يأخذون الخفارة، ويطلبون الباطل، وقد كره جمهور الناس قسّاما وأصحابه، فلما تقاصر عنه أهل البلد انكسر قلبه، وأصحابه ثابتون على القتال، وقتلوا جماعة من الجند، وكثر فيهم الجراح من نشاب أصحاب بلتكين، وتبيّن الانكسار على قسّام لتقصير الرعيّة عن معاونته ومقتهم إياه، وقوة أمر السلطان، وكان قد كثر عليه الصلب من أصحابه للمال وقت الحرب، فأمسك عنهم، وشحّ بماله، فقالوا: «على أى شيء نقتل أنفسنا؟» فتفرّقوا عنه إلا وجوه أصحابه وخاصته.

واستمرّ القتال أياما، فاجتمع الخلق إلى قسّام فى أن يخرج إلى بلتكين ويصلحوا الأمر معه، فلان وذلّ بعد تجبّره، وقال: «افعلوا ما شئتم».

وكان العسكر قد قارب أن يأخذ البلد فخرجوا إلى بلتكين وكلّموه فى ذلك، فأمر بكفّ العسكر عن القتال، وأمر قسّاما وأصحابه فعاد القوم إليه وأخبروه وهو ساكت حائر قد تبيّن الذلّ فى وجهه، واجتمع أكثر الناس، فصاح من كان قد احترقت داره - وهم كثير - بقسّام:

«انتقم الله ممن أذلّنا وأحرق دورنا، وشتتنا، وتركنا مطرحين على الطرق».

فعجب قلبه من سماع صياحهم، وقال: «أسلّم البلد».

فولى بلتكين حاجبا يقال له خطلخ، فدخل المدينة فى خيل ورجل، فلم يعرض لقسّام ولا لمن معه، فتفرق عن قسّام أصحابه، فمنهم من استأمن، ومنهم من هرب، ومنهم من أخذ، واختفى (١) قسّام بعد يومين، فأصبح القوم أول صفر وقد علموا باختفائه، فأحاطوا


(١) الأصل: «واختفا».