للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أموالى؟ فلم تجبه. فرفع طرفه ونظر إليه وإلى الجماعة وفيهم حيدرة السياف، وقال لطاهر: يا كلب تجيء وهذا معك، وأشار بيده إلى السياف، وتسألنى بعد ذلك؛ ولكن قل له يا مولانا قبض علىّ وأنا آمن على نفسى، فإن يكن عندى مال، فقد وجدته فى دارى، وكنت داعيك وثقتك المؤيد فى الدين، فى القمطرة الفلانية ما يشهد بذكر مالك أين هو. فأشار طاهر إلى أولئك، فأخذوه، وضربت عنقه فى ليلة الثانى والعشرين من صفر؛ وحملت رأسه مع طاهر إلى القاهرة، وطرحت جثته على مزبلة ثلاثة أيام. ثم ورد الأمر بتكفينه، فكفّن بعد أن غسل، وحنّط بحنوط كثير، وحمل ليلا ودفن وقد وضع رأسه مع جثته.

وكان له من المآثر المرضية، والخلال الحميدة، والأفعال الجميلة؛ والخلائق الرضيّة ما يتجمل الملوك بذكره. منها أنه كانت له مائدة يحضرها كل قاض فقيه وأديب جليل القدر، فإذا قدمت فكأنها الرّياض من حسنها وسعة نفسه. وكان الملازمون لمائدته نحو العشرين نسمة، فيكون عليها كأحدهم. وقال عميد الدولة: أقمت معه خمس عشرة سنة قبل وزارته ملازما له فى المبيت والصباح، فكنت أراعيه فى حالاته كلّها ليلا ونهارا، فلا أرى يتغير علىّ منها شيء ولا يتبين لى منه غضب من رضا؛ فأقبلت أدقّق التأمل له فى حالتى غضبه ورضا، شهورا حتى تبيّن لى، فكان إذا رضى تورّدت وجنتاه بحمرة، وإذا غضب اصفرت محاجر عينيه، فعرّفت أبى بذلك؛ فقال: يا بنى هذا غاية فى سكون النفس وصحة الطباع واعتدال المزاج.

وكانت طبائعه الأربعة على السواء، فإذا أخلّ عمل طبيعة منها عهده أخذ بإصلاحها حتى يعود إلى ما يعهده من استقامتها. وكان لا يعطل شرب الدواء يوما واحدا فيشرب السكنجبين والورد أسبوعا ثم يريح نفسه ثلاثة أيام؛ ثم يشرب النقوع المغلى فى