للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنشد له ابن خلكان (١):

كم ذا يرينا الدّهر من أحداثه … غيرا (٢) وفينا الصّدّ والإعراض

ننسى الممات وليس يجرى ذكره … فينا، فتذكرنا به الأمراض

وكان لأهل العلم عنده نفاق ويرسل إليهم العطايا الكثيرة. بلغه أنّ أبا محمد ابن الدّهان النّحوى البغدادى (٣) المقيم بالموصل قد شرح بيتا من شعره وهو:

تجنّب سمعى ما يقول العواذل … وأصبح لى شغل من الغزو شاغل

فجهّز له هديّة سنيّة ليرسلها إليه، فقتل قبل إرسالها. وبلغه أن إنسانا من أعيان الموصل قد أثنى عليه فأرسل إليه كتابا يشكره ومعه هديّة.

وكان وافر العقل رضىّ النّفس، بصيرا بالتّجارب عالما بأيّام الناس، بصيرا بالعلوم الأدبية، محبّبا إلى الناس لإظهاره الفضل والدّين وإنكاره الظّلم والفساد. إلاّ أنّه كان من غلاة الإمامية مخالفا لما عليه مذهب العاضد وأهل الدّولة. فلمّا بايع للعاضد وركب من القصر سمع ضجّة عظيمة، فقال: ما الخبر؟ فقيل إنهم يفرحون بالخليفة.

فقال: كأنى بهؤلاء الجهلاء وهم يقولون ما مات الأول حتى استخلف هذا؛ وما علموا أنّنى كنت من ساعة أستعرضهم استعراض الغنم.

وجرى من بعض الأمراء فى مجلس السّمر عنده انتقاص بعض السّلف، وكان الفقيه عمارة جالسا فقام وخرج معتذرا بحصاة تعتاده، وانقطع فى منزله ثلاثة أيّام، ورسول الصّالح يرد إليه كلّ يوم بالطبيب، ثم ركب إليه بعد ذلك وهو فى بستان مع جلسائه


(١) وفيات الأعيان: ٢٣٨:١.
(٢) الغير بوزن عنب الاسم من قولك غيرت الشئ فتغير، ومنه غير الزمان. قال الكسائى: وهو اسم مفرد مذكر وجمعه أغيار. وقال أبو عمر وهو جمع مفرده غيرة. مختار الصحاح.
(٣) هو أبو محمد سعيد بن المبارك بن على بن عبد الله بن سعيد … بن أبى اليسر كعب الأنصارى، كان يعرف بسيبويه عصره، وله فى النحو: شرح الإيضاح، التكملة، الفصول الكبرى، الفصول الصغرى، الغرة فى شرح كتاب اللمع لابن جنى، وله كتاب العروض فى مجلدة، وكتاب الرسالة السعيدية فى المآخذ الكندية ويشتمل على سرقات المتنبى. ترك بغداد وانتقل إلى الموصل وترك بها كتبه فارتفع النهر ببغداد وغرقت كتبه، وزاد إتلاف كتبه أن الماء طغى على داره من مدبغة كانت خلف الدار. وكف بصره وهو يحاول تبخير كتبه باللادن لإصلاحها. وله نظم حسن. توفى سنة تسع وستين وخمسمائة. وفيات الأعيان: ٢٠٩:١ - ٢١٠؛ بغية الوعاة: ٥٨٧:١.