للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد نزع منديله عن رأسه، وحمل حتى أركب على فرسه، وهو لا يفيق. وبقى حسين ابن أبى الهيجاء فى القصر يقاتل السّودان حتى قتل منهم خمسين رجلا.

ولمّا ركب الصّالح وشدّوا جرحه تطلّعت السّيدة العمّة من القصور فرأته راكبا، فقالت: رحنا والله. فلمّا صار إلى داره كان إذا أفاق يقول: رحمك الله يا عبّاس، وبعث إلى العاضد يعتب عليه كيف رضى بقتله مع حسن أثره فى إقامته خليفة؛ فأقسم أنّه لم يعلم بذلك ولا رضى به. وأنشد عند موته:

وما ظفروا لمّا قتلت بطائل … فعشت شهيدا ثم متّ شهيدا

فلمّا كان ثلث ليلة الثلاثاء، العشرين من شهر رمضان، مات ودفن بالقاهرة، ثم نقل منها بعد ذلك إلى القرافة، والعاضد راكب والجند يمشون خلف تابوته (١).

ومولده فى سنة خمس وتسعين. وكانت وزارته سبع سنين وستة أشهر تنقص أيّاما.

وكان فاضلا، سمحا فى العطاء، سهلا فى اللقاء، محبّا لأهل الفضائل، جيّد الشعر وخطّه دون شعره. ويقال إنّه من المغرب، وقد قصد أبوه زيارة قبر علىّ بن أبى طالب بالنّجف فرأى أمام المشهد عليّا وأخبره عن طلائع أنّه يلى مصر، فقدمها، وما يزال يترقّى فى الخدم حتى نال ما نال.


(١) يقول ابن خلكان: وكان قد دفن بالقاهرة فنقله ولده العادل من دار الوزارة التى دفن بها، وهى المعروفة بإنشاء الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالى، وكان نقله فى تاسع عشر صفر سنة سبع وخمسين فى تابوت وركب خلفه العاضد إلى تربته التى دفن بها بالقرافة الكبرى. وفيات الأعيان: ٢٤٩:١. وقد أنشد عمارة اليمنى فى مقتله وتابوته ونقله إلى تربة القرافة قصيدة طويلة منها:
خربت ربوع المكرمات لراحل … عمدت به الأحداث وهى قفار
نعش الجدود العاثرات مشيع … عميت برؤية نعشه الأبصار
نعش تعود «بنات نعش» لو غدت … ونظامها أسفا عليه نثار
شخص الأنام إليه تحت جنازة … خفضت برفعة قدرها الأقدار
وكأنها تابوت موسى أودعت … فى جانبيه سكينة ووقار
وتغاير الهرمان والحرمان فى … تابوته، وعلى الكريم يغار
فتهن بالأجر الجزيل، وميتة … درجت عليها قبلك الأخيار
مات الوصى بها، وحمزة عمه … وابن البتول، وجعفر الطيار
و «بنات نعش» الكبرى سبعة كواكب أربعة منها نعش وثلاث بنات، والصغرى كذلك، وتنصرف نكرة لا معرفة، وواحدها ابن نعش. ويقال هو أخفى من نعيش فى بنات نعش. القاموس المحيط؛ أساس البلاغة. وتجد هذه القصيدة فى النكت العصرية: ٦٣ - ٦٥؛ وهى بصورة أكمل فى كتاب الروضتين حيث وردت فى واحد واربعين بيتا: ٣١٤:١ - ٣١٦.