التدبير الذى يبلغ به غاية آماله، بحيث لا يبلغ غيره بعضها إلاّ بإنفاق الجمل العظيمة، وتفريغ بيوت الأموال؛ ثم لا يكاد يظفر ببلوغ أمل فى جهة من الجهات إلا دوخها وثبتت آثاره فيها الدهر الطويل. وصار أعداؤه يتعجبون مما يتأتى له من السعادة وتعينه عليه الأقدار. واستطالوا مدّته، فابتغوا له الغوائل، ونصبوا له الحبائل، وركبوا عليه المناصب حتى كان هلاكه بأقلّ الناس وأحقرهم، وأدناهم منزلة، وأضعفهم قدرة، وهم من أطراف الخدّام. فأقاموا رجلين، أحدهما خادم يعرف بمفرج المغربى كان فى حاشيته، والآخر خازن يتولّى خزانة الفرش يعرف بتنا (؟). وحكوا أنه نقل الأموال إلى الشام فى التوابيت وفى شمع سبكه وأعدّه إلى القدس وإلى الخليل، وأنه قد عوّل على الهرب إلى بغداد؛ واستظهروا بكتابه الذى ذكر إلى طغرلبك؛ مع ما فى طبيعة الملك من الحسد والملل، والأنفة من الاستبداد عليهم ومحبّة الانفراد بالمجد.
وكان من أسباب الخذلان أن المستنصر التمس من صفى الملك، ولد اليازورى، عمل دعوة يدعوه إليها، فدافعه عن ذلك استعظاما لحضوره عنده؛ فأقام مدّة حتى بعثه والده الوزير على تكلّف عملها له؛ فتهمّم لذلك؛ واصطنع ما يجب إعداده، وتقرّر الحال على يوم يحضر فيه. فلما كان قبل ذلك بيوم حضر صفىّ الملك عند الوزير وأعلمه بإنجاز ما يحتاج إليه، فصار معه إلى الدار واستصحب خواصه، فرأى ما يقصر عنه الوصف. وفرش مجلسين بديباج بياض كله، وفيه جامات كبار وحمر منقوش، كل مجلس بثلاث مراتب وبساط ملء المجلس؛ وسراديق وحجلين للصدر والباب كله جديد كما حمل من الأعدال؛ فقدّر ذلك بخمسة آلاف دينار. فأقبل كلّ من حضر يبالغ فى صفته ويدعو، وشخص منهم ساكت. فلحظ الوزير وأمسك حتى فرغ من تطواف المجالس وعرض كلّ ما أعدّه، وعدل إلى بيت الطهارة وقد أعدّ فى دهليزه من الفرش والآلات والطّيب، وداخله من الفواكه والمشمومات كل مستحسن. ودعا الوزير الرجل الذى سكت عند مبالغة من حضر فى الوصف، وقال: يا عمدة الملك، ما لى لم أسمعك تؤمّن على ما قال الجماعة؟ فقال له بعد ما سأله الإعفاء عنه وتركه من القول، فأبى إلاّ أن يقول:
سيدنا فيما أعدّه من هذا الجمال بين أحد رأيين، إمّا أن يأمر بإزالته ونصب غيره مما قد