فيها تشدد الأتراك وكبيرهم سلطان الجيش يلدكوش التركي، والأمير إلدكز والوزير يومئذ ابن أبي كدينة، فضاق خناقه وعظم روعه وساءت حاله، وكان المستنصر بالله يظن أن في قتل ابن حمدان راحةً له، فاستطال إلدكز وابن أبي كدينة عليه وناكداه. فتحير في أمره وكتب إلى أمير الجيوش بدر الجمالي، وهو يومئذ بعكا، يستدعيه للقدوم لنجدته وإعانته ويعده بتملك البلاد والاستيلاء عليها. فاشترط عليه أنه يقدم بعسكر معه، وأنه لا يبقى أحداً من عساكر مصر ولا وزرائهم؛ فأجابه المستنصر إلى ذلك. فأخذ في الاستعداد للمسير إلى مصر؛ واستخدم معه عدةً من العساكر، وركب بحر الملح من عكا، وكان الوقت في كانون وهو أشد ما يكون من البلاء، ومن العادة أن البحر لا يركب في الشتاء. فسار في مائة مركب وقد حذر من ركوبه وخوف من سوء العاقبة فلم يصغ لذلك؛ وكأن الله سبحانه قد صنع له ومكن له في الأرض، وقضى بأن يصلح على يديه، ما قد فسد من إقليم مصر. فترحل بعساكره في المراكب، وأضحت السماء، وواتتهم ريح طيبة سارت بهم إلى دمياط ولم يمسسهم سوء؛ فكان يقال إنه لم ير في البحر قط صحوة تمادت أربعين يوماً إلا في هذا الوقت، فكان هذا ابتداء سعادته وأول عظيم جده. فنزل بدمياط، وطلب إليه التجار من تنيس وافترض عليهم مالا.