للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لابن بنت النّبى الذى هو أولى بمكانه من غيره. وإن رغبت فى المهادنة والموادعة انتظمت الحال بين الدولتين، وأمن الناس بينهما. فإن أبيت إلاّ الخلاف، ونزع الهوى بك إلى الظّنون الفاسدة، والأطماع الكاذبة فليس لك عندى إلاّ السيف. فإن شئت فأقم، وإن شئت فسر».

فغاظ ذلك طغرلبك وقال: خدعنى هذا الفلاح وسخر منّى. وكتب إلى إبراهيم بن ينال، أخى طغرلبك لأمه، بردّ العسكر مسرعا، فلم يتأتّ له اجتماعهم. وكان اليازورىّ قد بثّ عيونه وحواشيه فى عسكر طغرلبك واستفسد أعيانهم بكثرة الأمانى والمواعيد، مثل خاتون زوج طغرلبك، والكندرى (١) وزيره، وابراهيم ينال أخيه (٢) وصاحب جيشه؛ فمالوا إليه وقعدوا عن صاحبهم. وحمل خاتون على قتله، فامتنعت من ذلك وواعدته أنها تتحيّز بغلمانها؛ وهم نحو اثنى عشر ألفا، عنه؛ فاعتزلت بهم. وكان ذلك سبب ظفر البساسيرى بعسكر طغرلبك، وظفر كثير منهم، ورجوع طغرلبك من بغداد طالبا لجمع عسكره الذى تفرّق عنه. وهو أنه سار فى هذه السنة ملك البساسيرى وقريش الموصل بعد حصار شديد نحو أربعة أشهر حتى هدم قلعتها. فخرج طغرلبك يريدهما، فسارا عن الموصل، وهو يتبعهما، إلى نصيبين؛ ففارقه إبراهيم ينال وقصد همذان، ولحقه الأتراك الذين كانوا ببغداد. ففتّ ذلك فى عضد طغرلبك وترك ما هو فيه، ورجع ليضم إليه من تفرق عنه، وترك بغداد. فقوى أبو الحارث البساسيرى، وكثف جمعه، وقصد أعمال العراق، ففتح بلدا بلدا، وتملك الأعمال والرّساتيق (٣) طوعا وكرها، والدولة المصرية تمدّه بما يستعين به على ذلك؛ وهو لا ينفذ فى أمر من الأمور إلا بما يقرّره اليازورى.

فكثرت حسّاده على ما يتوالى من سعادته فى كلّ يوم، وما يتجدد له من رئاسة يقتضيها حسن آثاره فى الدولة، وتأثيراته فى جميع الأطراف والممالك بلطف السياسة ومحكم


(١) عميد الملك أبو نصر محمد بن منصور الكندى، أول وزراء السلاجقة. وفيات الأعيان؛ تاريخ دولة آل سلجوق للعماد الأصفهانى؛ معجم الأنساب لزامباور.
(٢) فى الأصل: ابن أخته. وهو خطأ والتصحيح استنادا إلى ما تقدم؛ وإلى ابن الأثير فى الكامل؛ وإلى النجوم الزاهرة.
(٣) الرستاق، والرسداق، والجمع رساتيق: أرض السواد، والقرى، ومحلة العسكر، والبلد التجارى؛ ومنه الكملة المعربة الرزداق وجمعها الرزداقات والرزاديق. (والمقصود هنا القرى ومحلات العسكر). محيط المحيط.