للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استعمل، وإمّا يحمله إلى الخليفة إذا انقضى جلوسه عليه. فقال: وما هو هذا؟ أليس هو ممّا أنعم به وصار إلىّ من فضله؛ وما قدره حتى تمتدّ عينه إليه أو تتطلّع له نفسه! وأما إزالته ونصب غيره فما كنت أكسر فى نفس هذا الصبى شهوة، فإنى متى أمرت بإزالته حزن لذلك. وافترقا. فلما كان الغد جاء المستنصر وأقام يومه ذلك فى الدّار، وأحضر إليه الطعام ممّا حوله من الطّرف؛ ثم عاد آخر النهار. وحضر عند الوزير أصدقاؤه، فانفرد بذلك الرجل، وقال: يا عمدة الدولة، والله ما أخطأ حزرك فيما قلته بالأمس؛ منذ دخل الخليفة إلى الدّار إلى أن خرج لم يطرف طرفة عن تأمّل الفرش، فإذا وجّهت طرفى نحوه أطرق وتشاغل. فقال له: يا سيدنا أمّا إذ فات الأمر الأول فلا يفوت الثانى.

فقال: والله لا فعلت ولا غممت صفىّ الملك.

واتفق أنه خرج يوما وعليه ثوب بديع، فلمّا عاد قال لصديقه: يا عمدة الدولة، لحظتك اليوم تنظر الثوب الذى كان علىّ فعجبت من ذلك، فلما مثلت بحضرة مولانا أقبل يتأمل الثوب ولم يزل يزحف من الدّست (٢) حتى مدّ يده إلى الثوب وتلمّسه، فزال عجبى منك إذ كان الخليفة يتأمله؛ والملوك إذا أنعموا على أحد استحال التظاهر بإحسانهم حسدا ومللا.

وكان راتب مائدته فى كل يوم كموائد الملوك فى الأعياد والولائم. وكان لا يبتاع لمطبخه من الطير ما هو معرق ولا مصدر؛ وكان سعر المعرق ستة بدينار والمصدر أربعة بدينار، والمسمّن ثلاثة بدينار، والفائق اثنان بدينار؛ وكان يعمل لدارد ومن فيها المسمّن، وأما مائدته فلا يقدّم عليها إلاّ الفائق.


(٢) دست السلطان: مرتبة جلوسه. صبح الأعشى؛ Dozy;SuPP Dict.Ar .