فلما كان فى سنة سبع وأربعين وقصر النيل نزع السعر وغلا حتى بلغ التليّس ثمانية دنانير وصار الخبز طرفة. وكان المستنصر يحضر دار اليازورى كلّ يوم ثلاثاء على عادته، فتقدّم إليه المائدة، فإذا هى على ما يعهد لم يخلّ منها بشئ حتى الدجاج الفائق؛ فقال لصاحب مطبخه: ويلك، يكون راتب مائدة الوزير الدجاج الفائق ومائدتى دون ذلك! فقال: يا مولانا ما ذنبى إذا قصر بك أصحاب دواوينك ولم يطلقوا لمائدتك ما التمسه منهم، والوزير فلا تتجاسر وكلاؤه أن يقصروا فى شيء مما جرت العادة به فى راتب مائدته وغيرها، مع تقدّمه إليهم فى كل يوم بالزيادة فيها وفى راتب داره.
فلما تظافر عداه عليه لم يشعر إلاّ فى ساعة القبض، فكتب إلى أبى الفرج البابلى - وكان قد قدّمه وأحسن إليه ورفعه على جميع أصحاب الدواوين، واستخلصه دونهم، كما يأتى إن شاء الله عند ذكر وفاته - بعد البسملة:«عرفنا يا أبا الفرج - أطال الله بقاءك وأدام عزّك - تغيّر الرأى فينا، وسوء النية والطّويّة؛ فإن يكن هذا الأمر صائرا إليك فاحفظ الصّحبة، وارع واجب الحرمة؛ وإن يكن صائرا إلى غيرك فابتغ لنفسك نفقا فى الأرض. على أنّا نشير عليك: إن دعيت إليه فلا نأبى عنه فإنه أصلح لك وأعود علينا.
والسّلام».
ودعا البابلى للأمر، ووزر، لأنه لم يكن فى الدولة من يتقدمه لما وطّأه اليازورى وأمّله من تقديمه وتمييزه. وكان اعتزاله يغطى على عيوبه، فلما ولى الوزارة بان للناس من رقاعته وحدّته وكثرة شرّه ما افتضح به؛ وتجرّد لمقابلة إحسان اليازورى بكل قبيح وذكره بما لا يستحق من الغضّ. وكانت الرقعة التى كتبها إليه من أعظم ذنوبه عنده فكان يقول؛ يخاطبنى وهو على شفير القبر بنون العظمة! ولا يذكره إلا بالسفاهة واللغو، فسقط قدره من أعين الكافة وحذره كل أحد. ثم لم يقنعه كون اليازرى فى