والعيش أولى ما بكاه الفتى … لا بدّ للمحزون أن يسلى
فإذا هو خلف باب المجلس، فبكى وبكيت طويلا، وحادثته ساعة؛ ثم ناوله الخليفة قرطاسا فيه سبعون دينارا.
ومن عجيب ما وقع أن امرأة من أرباب البيوت عرضت عقدا لها قيمته ألف دينار على جماعة ليعطوها به دقيقا وهم يعتذرون إليها ويدفعونها، إلى أن رقّ لها رجل وباعها به تليّس دقيق، فحملته من مصر واكترت معها من يحفظه من النّهّابة، وسارت تريد منزلها بالقاهرة، فسلّمه الحملة إليها عند بابى زويلة، فلم تمش به غير قليل حتى تكاثر النّاس عليها، وانتهبوه منها فانتهبت هى أيضا منه مع النّهابة، فصار إليها ملء يديها دقيقا لم ينبها منه غيره، فعجنته وشوته، ثم مضت إلى باب القصر ووقفت على موضع مرتفع، ورفعت القرصة فى يدها حتى يراها الناس، ونادت بأعلى صوتها: يأهل القاهرة، ادعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقوّمت علىّ هذه القرصة بألف دينار. ووقف مرة بعض المياسير بباب القصر وصرخ إلى أن أحضر المستنصر، فلما وقف بين يديه قال: يا مولانا هذه سبعون قمحة وقفت علىّ بسبعين دينارا كلّ حبة قمح بدينار، فى أيامك، وهو، أنى اشتريت إردبّا بسبعين دينارا فنهب منى ولم يبق لى منه سوى ما وقع بيدى وانتهايى منه مع من نهب، فعددت ما فى يدى فجاء سبعين حبّة من قمح، وإذا كل حبّة بدينار. فقال المستنصر: الآن فرج الله على الناس فإنّ أيامى حكم لها أنه يباع فيها القمحة بدينار.
ولم يكن هذا الغلاء عن قصور مدّ النيل فقط، وإنما كان من اختلاف الكلمة ومحاربة الاجناد بعضهم مع بعض. وكان الجند عدة طوائف مختلفة الأجناس، فتغلبت لواتة والمغاربة على الوجه البحرى، وتغلب العبيد السودان على أرض الصعيد، وتغلب