للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولففت بها أفخاذى، وزحفت إلى باب الدار وخرجت أزحف إلى أن وقعت إلى الناس، فحملت إلى بيتى، وعرّفتهم بموضعه، فمضوا إلى الوالى فكبس عليه وضرب عنقه؛ وأقامت الدماء فى أفخاذى سنة إلى أن ختم الجرح، وبقى هكذا حفرا.

وآل أمر الخليفة المستنصر إلى أن صار يجلس على نخّ أو حصير؛ وتعطّلت دواوينه وذهب وقاره، وخرج نساء قصوره ناشرات شعورهن يصحن: الجوع الجوع، وهنّ يردن السير إلى العراق، فتساقطن عند المصلى بظاهر باب النصر من القاهرة، ومتن جوعا.

جاء الوزير يوما على بغلة فأكلها العامة، فأمر بهم فشنقوا، فاجتمع الناس على المشنّقين وأكلوهم. وعدم المستنصر القوت جملة حتى كانت الشريفة بنت صاحب السبيل تبعث إليه كلّ يوم بقعب من فتيت من جملة ما كان لها من البرّ والصّدقات فى سنى هذا الغلاء، حتى أنفقت مالها كلّه، وكان يجل عن الإحصاء، فى سبيل البرّ؛ فلم يكن للمستنصر قوت سوى ما كانت تبعث به إليه، وهو مرة واحدة فى اليوم، لا يجد غيره. وبعث بأولاده إلى الأطراف لعدم القوت، فسيّر الأمير عبد الله إلى عكّا فنزل عند أمير الجيوش، وأرسل الأمير أبا على معه؛ وبعث الأمير أبا القاسم والد الحافظ إلى عسقلان، وسيّره أولا إلى دمياط؛ ولم يترك عنده سوى ابنه أبى القاسم أحمد.

وبعث المستنصر يوما إلى أبى الفضل عبد الله بن حسين بن شورى بن الجوهرى الواعظ، فدخل القاهرة من باب البرقيّة (١)، فلم يلق أحدا إلى القصر؛ فجاء من باب البحر (٢)، فوجد عليه شيخا، فقال استأذن علىّ؛ فقال: ادخل فهو وحده؛ فدخل، فلم ير أحدا فى الدهاليز ولا القلعة، فأنشد:


(١) والبرقية جماعة كبيرة قدمت مع المعز لدين الله سنة ٣٥٨، واستقروا بحى خاص بهم عرف باسم حارة البرقية، بمنطقة الدراسة الحالية.
(٢) من أبواب القصر الغربية سمى بذلك لأن الخليفة كان يستخدمه عند ما يقصد شاطئ النيل عند المقس. وموضع هذا الباب - كما يقول المقريزى فى الخطط - يعرف باسم باب قصر بشتاك، بشارع بين القصرين. النجوم الزاهرة: ٣٥:٤ حاشية: ٦.