للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دينار بتسعين دينارا اشترى بها دون تليّس دقيق (١). وعم مع الغلاء وباء شديد؛ وشمل الخوف من العسكرية وفساد العبيد، فانقطعت الطرقات برّا وبحرا إلاّ بالخفارة الكبيرة مع ركوب الغرر. وبيع رغيف من الخبز زنته رطل فى زقاق القناديل (٢) كما تباع التحف والطّرف فى النّداء: خراج! خراج! فبلغ أربعة عشر درهما؛ وبيع إردب قمح بثمانين دينارا. ثم عدم ذلك كله، وأكلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير.

وأبيعت حارة بمصر بطبق خبز، حسابا عن كلّ دار رغيف، فعرفت تلك الحارة بعد ذلك بحارة طبق، وما زالت تعرف بذلك حتى دثرت فيما دثر من خطط مصر. وأكل الناس نحاتة النّخل؛ ثم تزايد الحال حتى أكل النّاس بعضهم بعضا.

وكان بمصر طوائف من أهل الفساد قد سكنوا بيوتا قصيرة السّقوف قريبة ممّن يسعى فى الطّرقات، فأعدوا سلبا وخطاطيف؛ فإذا مرّ بهم أحد شالوه فى أقرب وقت، ثم ضربوه بالأخشاب وشرّحوا لحمه وأكلوه. قال الشريف أبو عبد الله محمد الجوانى فى كتاب النقط:

حدثنى بعض نسائنا الصّالحات قالت، كانت لنا من الجارات امرأة ترينا أفخاذها وفيها كالحفر، فتقول: أنا ممّن خطفنى أكلة النّاس فى الشدة، فأخذنى إنسان، وكنت ذات جسم وسمن، فأدخلنى بيتا فيه سكاكين وآثار الدماء وزفرة القتيل، فأضجعنى على وجهى وربط فى يدىّ ورجلىّ سلبا إلى أوتاد حديد، عريانة، ثم شرّح من أفخاذى وأنا أستغيث ولا أحد يجيبنى، ثم أضرم الفحم وأسوى من لحمى وأكل أكلا كثيرا؛ ثم سكر حتى وقع على جنبيه لا يعرف أين هو؛ فأخذت فى الحركة إلى أن تخلّى أحد الأوتاد، وأعان الله على الخلاص، وخلصت، وحللت الرباط، وأخذت خروقا من داره


(١) باعها بعشرين رطل دقيق، أى أقل بكثير من التليس المذكور فى المتن، إذ أن التليس يزن مائة وخمسين رطلا. النجوم الزاهرة: ١٧:٥؛ قوانين الدواوين: ٣٦٥.
(٢) كان من الأحياء التى يسكنها الأعيان وكبار القوم بمدينة الفسطاط زمن انتعاشها وعمارتها، وهو الآن أرض فضاء تجاور جامع عمرو بن العاص من جهة الشرق.