في ثالث ربيع الآخر اشتد الحصار على أهل صيدا ويئسوا من النجدة، فبعثوا قاضي البلد في عدة من شيوخها إلى بغدوين يطلبون الأمان، فأجابهم وأمنهم على أنفسهم وأموالهم، وإطلاق من أراد الخروج منها إلى دمشق، وحلف على ذلك. فخرج الوالي والزمام وجميع الأجناد والعسكرية وخلق كثير من الناس، وتوجهوا إلى دمشق، لعشر بقين من جمادى الآخرة. وكانت مدة الحصار سبعة وأربعين يوماً.
وفيها خرج جماعة من التجار والمسافرين من تنيس ودمياط ومصر وأقلعوا في البحر، فأخذهم الفرنج وغنموا منهم ما يزيد على مائة ألف دينار، وعاقبوهم حتى افتدوا أنفسهم بما بقي لهم من الذخائر في دمشق وغيرها.
وفيها أغار بغدوين بعد عوده من صيدا على عسقلان، فراسله أميرها شمس الخلافة أسد حتى استقر الحال على مال يحمله إليه ويرحل عنه. وقرر على أهل صور سبعة آلاف دينار تحمل إليه في مدة سنة وثلاثة أشهر. فقدم الخبر بذلك في شوال على الأفضل، فأنكر ذلك وكتمه عن كل أحد، وجهز عسكراً كثيفاً إلى عسقلان، وقدم إليه عز الملك الأعز ليكون مكان شمس الخلافة، وندب معه مؤيد الملك رزيق، وأظهر أن هذا العسكر سار بدلاً. فسار إلى قريب عسقلان، وبلغ ذلك شمس الخلافة فأظهر الخلاف على الأفضل وكتب إلى بغدوين يطلب منه أن يمده بالرجال ويعده بتسليم عسقلان وأن يعوضه عنها. فبلغ ذلك الأفضل. فكتب إليه يطيب قلبه ويغالطه، وأقطعه عسقلان، وأقر عليه إقطاعه