فيها سار الفرنج نحو بيروت، وعملوا عليها برجاً من الخشب، وزحفوا، فكسره أهل بيروت. وقدم الخبر بذلك على الأفضل، فجهز تسعة عشر مركباً حربية، فوصلت سالمةً إلى بيروت وقويت على مراكب الفرنج، وغنيمت، ودخلت إلى بيروت بالميرة والنجدة، فقوي أهلها بذلك. وبلغ بغدوين الخبر، فاستنجد بالجنوبية، فأتاهم منهم أربعون مركباً مشحونة بالمقاتلة؛ فزحف على بيروت في البر والبحر، ونصب عليها برجين، وقاتل أهلها في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال؛ فعظمت الحرب، وقتل مقدم الأسطول وكثير من المسلمين، ولم ير للفرنج فيما تقدم أشد من حرب هذا اليوم. فانخذل المسلمون في البلد، وهجم الفرنج من آخر النهار فملكوه بالسيف قهراً؛ وخرج متولى بيروت في أصحابه وحمل في الفرنج، فقتل من كان معه، وغنم الفرنج ما معهم من المال ونهبوا البلد، وسبوا من فيه وأسروا، واستصفوا الأموال والذخائر. فوصل عقب ذلك من مصر نجدة فيها ثلثمائة فارس إلى الأردن تريد بيروت، فخرج عليها طائفة من الفرنج، فانهزموا إلى الجبال، فهلك منهم جماعة.
وفيها سار الأسطول من مصر إلى صور ليقيم بها، فاتفق وصول ابن كند ملك الفرنج في عدة مراكب لزيارة القدس والجهاد في المسلمين؛ فزار القدس، وسار هو وبغدوين إلى صيدا، فنازلاها بجمعهما وعملا عليها برجاً من خشب، وزحفا عليها؛ فلم يتمكن الأسطول من الوصول إليها.