وفيها كانت الحرب بين تاج الملوك شادي وبين ناصر الدولة ابن حمدان، وعادت الفتنة بالقاهرة ومصر. وكان سبب محاربتهما أن تاج الملوك لما دخل إلى القاهرة نائباً عن ناصر الدولة تغير عما كان قد تقرر بينهما، واستبد بالأمور فضن بالمال عليه، ولم يصل ابن حمدان منه إلا دون ما كان يؤمله. فقلق لذلك ابن حمدان، واتفق هو وجمائع العربان على المسير إلى القاهرة وأخذها. فسار بهم، ونزل إلى الجيزة، فاستدعى تاج الملوك وغيره من أكابر المقدمين، فخرجوا إليه مطمئنين لأنه واحد منهم يهوى هواهم؛ فما هو إلا أن صاروا إليه حتى قبض عليهم، وزحف بجموعه، وألقى النار في دور السادة، وانبثت أصحابه ينتهبون ما قدروا عليه. فجهز المستنصر إليه عسكراً كانت فيه طائفة لهم قوة وفيهم منعة؛ فوافقوه. وكانت بينهم وبينه حرب انجلت عن هزيمته، ففر على وجهه وتلاحق به أصحابه، وصاروا إلى البحيرة، فقطع خطبة المستنصر من جميع الوجه البحري، وكتب إلى الخليفة القائم ببغداد يسأله أن يجهز إليه الخلع والألوية السود، فاضمحل قدر المستنصر وتلاشى أمره. وتعاظمت الشدائد بمصر، وجلت رزايا الناس.
فلما كان في شعبان سار ناصر الدولة بعساكره وقد تيقن عجز المستنصر عن مقاومته لضعف أمره وممالاة كثير من الأتراك له. وموافقتهم لما قرره معهم من محبة؛ فدخل إلى مصر فاستولى على الأمر؛ وبعث إلى المستنصر يطلب منه المال، فدخل عليه قاصد ابن حمدان وهو جالس على حصير بغير فرش ولا أبهة، وليس عنده غير ثلاثة من الخدم، وقد زال ما كان يعهده من شارة المملكة وعظمة الخلافة. فلما أدى إليه الرسالة. قال له المستنصر: أما يكفي ناصر الدولة أن أجلس في مثل هذا البيت على هذه الحال؟! فلما سمع بذلك قاصد بن حمدان بكى وخرج، فأعلم ناصر الدولة ما شاهده من هيئة المستنصر،