في المحرم خرج الأتراك مبرزين إلى الرملة حين قتل شهاب الدولة، وقد بلغت نفقه المستنصر فيهم ألف ألف دينار.
وفيه اشتد البلاء على المستنصر بقوة الأتراك عليه وطمعهم فيه، فانخرق ناموسه، وتناقصت حرمته، وقلت مهابته؛ وتعنتوا به في زيادة واجباتهم. وكانت مقرراتهم في كل شهر ثمانية وعشرين ألف دينار، فبلغت في هذه السنة إلى أربعمائة ألف دينار في كل شهر، فطالبوا المستنصر بالأموال.
وركب ناصر الدولة الحسين بن حمدان ومعه جماعة من قواد الأتراك، وحصروا المستنصر وأخذوا جميع الأموال، ثم اقتسموا الأعمال؛ وركبوا إلى دار الوزير ابن أبي كدينة يريدون الأموال، فقال: وأي مال بقى؟ الريف في يد فلان والصعيد في يد فلان والشام في يد فلان. فقالوا: لا بد أن تنفذ إلى مولانا وتطلب منه وتعلمه بحضورنا. فكتب الوزير إلى المستنصر رقعة يذكر فيها حضورهم بألقابهم وما يطلبون؛ فخرجت الرقعة بخط المستنصر فيها مكتوب:
أصبحت لا أرجو ولا أتّقي ... إلا إلهي، وله الفضل
جدّي نبيّي، وإمامي أبي ... وقولي التوحيد والعدل
المال إلى الله، والعبد عبد الله، والإعطاء خير من المنع. " وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ ينْقَلِبُون ". واعتذر بأنه لم يبق عنده شيء. فاضطروه إلى إخراج ذخائره وذخائر