للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها قتل الوزير صدقة بن يوسف الفلاحى يوم الاثنين، النصف من المحرم، بخزانة البنود ودفن فيها. واتفق فى وفاته عجب، وهو أنه لما ولى الوزارة سعى فى اعتقال أبى على الحسن بن على الأنبارىّ، واعتقله بخزانة البنود، ثم قتله، فى سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة، ودفنه بخزانة البنود. فلما قبض عليه بعد صرفه عن الوزارة سجن فى المكان الذى كان فيه ابن الأنبارى من خزانة البنود، وقتل فيها، ودفن معه. وكان ابن الأنبارى من جماعة الوزير الجرجرائى ورفيقا للفلاحى وصاحبه، ولما ولى الوزارة تخوّف منه، وما زال يعمل عليه حتى قتله، كما تقدم.

وفيها أقبلت حال أبى محمد اليازورى تزيد، ومنزلته ترتفع، وخلع عليه ثانيا، وأمر ألا يقوم لأحد إذا دخل عليه ولو عظم قدره؛ فكان يعتذر إلى من يغشاه من الجلّة والرؤساء الأكابر، وأنه لو ملك اختياره لبالغ فى تكرمتهم بما يستحقونه؛ خلا القائد عدّة الدولة الذى كان سفيره، فإنه كان إذا أقبل وثب إليه قائما. فبلغ السيدة ذلك، فقالت له: لا تتحرك لأحد بالجملة، فكان إذا جاءه اعتذر إليه. ولقب بالمكين عمدة أمير المؤمنين؛ وترقّت أحواله حتى صار يحضر بحضرة الخليفة إذا أراد أن يستدعى الوزير كما كان أبو سعيد مع الفلاحى. فعظم ذلك على الوزير، لأنه كان إذا حضر القاضى أبو محمد اليازورى تحدّث طويلا والسيدة من وراء المقطع، ثم يستدعى الوزير فيعرض ما يريد من أمر الدّولة، ولا يكون المجيب له إلاّ القاضى أبو محمد، فإذا أجابه التفت إلى المستنصر وقال أليس هذا الصّواب؟ فيقول المستنصر نعم؛ ثم يخرج الرّسول من وراء المقطع ويقول هذا الصّواب. فكان الوزير كأنه يعرض على اليازورى الأمور دون الخليفة، فيشق عليه ذلك، ولا يتمكن من مخالفته، ولا يستطيع الصبر على ما به.

وكان من جملة أصحاب الدّواوين رجل يعرف بالشيخ الأجل عبد الملك زين الكفاة أبى المفضل صاعد بن مسعود، وإليه ديوان الشام يومئذ، وهو شيخ خود؛ وكان الوزراء