للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومغيث أمة أحمد، ومجيرها … ما زادنا شيئا على ما نعرف

وذلك أنه نعت فى سجلّه المقروء على الكافة بالأجلّ المأمون، تاج الخلافة، وجيه الملك، فخر الصنائع، ذخر أمير المؤمنين. ثم تجدّد له فى نعوته بعد ذلك الأجلّ المأمون، تاج الخلافة، عز الإسلام، فخر الأنام، نظام الدين والدنيا. ثم نعت بما كان ينعت به الأفضل، وهو السيد الأجلّ المأمون، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الإمام، كافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين (١).

ولما استمرّ نظر المأمون للدّولة بالغ الخليفة فى شكره، فقال له المأمون: ثمّ كلام يحتاج إلى خلوة. فأمر بخلوّ المجلس. فقال: يا مولانا امتثال الأمر متعب، ومخالفته أصعب؛ وما تتسع خلافة قدّام آمر الدولة وهو فى دست خلافته ومنصب آبائه وأجداده، وما فى قواى ما يرومه، ويكفينى هذا المقدار، وهيهات أن أقوم به والأمر كبير. فتغيّر الخليفة وأقسم: إن كان لى وزير غيرك! فقال المأمون: لى شروط؛ وقد كنت مع الأفضل وكان اجتهد فى النعوت وحلّ المنطقة فلم أفعل؛ وكان أولاده يكتبون إليه بكونى قد خنته فى المال والأهل، وما كان والله العظيم ذلك منى يوما قط، ومع ذلك معاداة الأهل جميعهم، والأجناد، وأرباب الطّيالس والأقلام، وهو يعطينى كلّ ورقة تصل إليه منهم وما يسمع كلامهم. فقال الخليفة: فإذا كان فعل الأفضل معك ما ذكرته، إيش يكون فعلى أنا؟ فقال: يعرّفنى المولى ما يأمر به فامتثله بشرط ألاّ يكون عليه زائدا. فأوّل ما ابتدأ به أن قال: أريد الأموال لا تبقى إلاّ بالقصر ولا تصل الكسوات من الطراز (٢)


(١) من الطريف أن ننقل هنا عن النويرى طريقة السّلام (البروتوكول) كما ذكرها فى مناسبة الحديث عن وزارة المأمون: « .. فدخل المأمون إلى المكان الذى هيئ له ودعى لمجلس الوزارة. وبقى الأمراء بالدهليز إلى أن جلس الخليفة واستفتح المقرءون؛ واستدعى المأمون فحضر بين يديه وسلم عليه أولاده وإخوته، ثم دخل الأمراء وسلموا على طبقاتهم، ثم الأشراف وديوان المكاتبات والإنشاء، ثم قاضى القضاة، والشهود، والداعى، ثم مقدمو الركاب ومتولى ديوان المملكة، ثم دخل الأجناد من باب البحر، ثم دخل والى القاهرة ووالى مصر، ثم البطرك والنصارى والكتاب منهم، وكذلك رئيس اليهود .. وكانت هذه عادة السّلام على ملوك هذه الدولة. وإنما أوردنا ذلك ليعلم منه كيف كانت عادتهم «اهـ. نهاية الأرب: ٢٨.
(٢) المقصود به دار الطراز ويتولاها الأعيان من المستخدمين من أرباب الأقلام، ومقامه بدمياط وتنيس، ومن عنده تحمل إلى خزائن الكسوة بالقاهرة. والطراز أصلا كلمة معربة عن الفارسية تعنى التدبيج، ثم أطلقت على الرداء إذا حلى بأشرطة من الكتابة، ثم أصبحت تطلق على الدار التى يصنع بها الطراز، وهو المقصود هنا. راجع صبح الأعشى: ٤٩٠:٣؛ والجزء الأول من هذا الكتاب: ٢٦٢ حاشية: ٢؛ والمواعظ والاعتبار: ٤٦٩:١ - ٤٧٠.