فيها عظم أمر حسن بن الحافظ وقويت شوكته، وتأكدت العداوة بينه وبين من بقي من الأمراء والأجناد واشتد خوفهم منه، وعزموا على خلع الحافظ من الخلافة وخلع ابنه حسن من ولاية العهد وعزله عن الأمر. فاجتمعوا بين القصرين، وهم نحو العشرة آلاف ما بين فارس وراجل، وبعثوا إلى الحافظ فشكوا ما فيه من ابنه حسن وأرادوا إزالته عنهم. فعجز حسن عن مقاومتهم ولم يبق معه سوى الراجل من الجيوشية ومن يقول بقولهم من العسكر الغرباء. فتحير ولم يجد بدا من الفرار منهم إلى أبيه، فصار إليه، وكان قد نزل بالقصر الغربي، ففتح سردابا بين القصرين ووصل إلى أبيه بالقصر الشرقي من تحت الأرض، وتحصن بالقصر. فبادر الحافظ بالقبض عليه وقيده، وأرسل إلى الأمراء يخبرهم بالقبض على حسن؛ فأجمعوا على طلبه ليقتلوه. فبعث إليهم يقبح مرادهم منه أن يقتل ولده، وأنه قد أزال عنهم أمره، وضمن لهم أنه لا يتصرف أبدا؛ ووعدهم بالزيادة في الأرزاق والإقطاعات. فلم يقبلوا ذلك، وقالوا: إما نحن وإما هو. وأحضروا الأحطاب والنيران لإحراق القصر؛ وبالغوا في الجرأة على الحافظ. فلم يجد من ينتصر به عليهم لأنهم أنصاره وجنده الذين يستطيل بهم على غيرهم، فألجأته الضرورة إلى أن استمهلهم ثلاثة أيام ليتروى فيما يعمل.
فرأى أنه لا ينفك من هذه النازلة العظيمة إلا بقتل ابنه لتنحسم المباينة بينه وبين العسكر التي لا يأمن إن استمرت أن تأتي على نفسه هو، فإنهم لم يبرحوا من بين القصرين. فاستدعى طبيبيه، أبا منصور وابن قرقة، فبدأ بأبي منصور اليهودي وفاوضه في عمل سقية لابنه، فتحرج من ذلك وأنكر معرفته كل الإنكار، وحلف برأس الخليفة وعلى