للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصيحا بليغا، لم يضبط عليه قطّ صياح ولا حدّة، ولا سمعت منه فى خطاباته أبدا كلمة فيها فحش ولا قذع ولا قبح.

وكان سبب قتله أنه اتّهم بموالاة سيدة الملك (١) ومراعاتها، وكان الحاكم قد انفلق منها فلما قتل استدعى الحاكم أولاده وخاطبهم، ولم يتعرّض لشيء من تركة أبيهم؛ وأمر ابنه أبا الفرج أن يركب فى الموكب، وأقرّه على إقطاعه، ومبلغه فى السنة خمسة عشر ألف دينار.

وفى جمادى الأولى ردّ الحاكم على بنى عمرو بن العاص حبس جدّهم عمرو بن العاص، ومبلغه فى الشهر نحو مائتى دينار.

وتزايد ركوب الحاكم حتى كان يركب فى اليوم الواحد عدة مرات، وعظمت هباته وعطياته. ثم أمر بابتياع الحمير، وصار يركبها من تحت السرداب (٢) إلى باب البستان إلى المقس، ويغلق الأبواب التى يتوصل منها إلى المقس وقت ركوبه، ومنع الناس من الخروج إلى هذه المواضع.

وفى جمادى الآخرة قدم رسول ملك الروم، فاصطفت العساكر من باب القصر إلى سقاية ريدان (٣) بعددها وأسلحتها، وركب الحاكم بصوف أبيض وعمامة مفوّطة بمظلة مثلها، وولىّ العهد يسايره وعليه ثوب مثقل، ومعهم الجواهر. وأحضر الرّسول ومعه


(١) هى الأميرة سلطانة ست الملك، أخت الخليفة الحاكم بأمر الله.
(٢) أنشأه المعز بعد دخوله القاهرة وزعم أن طالعه قضى عليه بذلك، وتوارى فيه نحو سنة أناب فيها العزيز بالله وعهد له. وكان المغاربة إذا رأوا غماما ترجلوا وسلموا يزعمون أن المعز فيه. ثم خرج المعز بعد ذلك وقد لبس الحرير الأخضر وجعل على وجهه اليواقيت تلمع كالكواكب، وجلس للناس كما كان يفعل. النجوم الزاهرة: ٧١:٤، ٧٤.
(٣) كانت فى الأصل بستانا لريدان الصقلبى أحد خدام العزيز بالله، وعرفت فيما بعد باسم الريدانية وهى قرب العباسية الحالية. السلوك: ١٣٧:١: حاشية: ٦.