فإنّا لا نريد به سوءا، وهو آمن، وبذل له مالا. فسار منجوتكين ودخل القاهرة فى ثانى عشرى رجب، فأنزله ابن عمّار فى دار، وكان يركب فى خدمته، وإذا لقيه وهو راكب ترجّل له. وكان ابن عمّار ينزله أدون المراتب، وغيّر رسومه كلها.
وأما علىّ بن [جعفر بن] فلاح فإنّه لمّا قدم من عند أخيه ولّى البلد لرجل من المغاربة لم يكن عنده ما رآه، بل كان فظّا غليظا، فشاقّ العامّة وواجههم، فثاروا عليه بالسلاح، وركب المغاربة، وكانت بينهم حروب. ثم إن شيوخ البلد خرجوا إليه وأصلحوا الأمر.
وسار علىّ من الرملة فنزل على دمشق فى عسكر عظيم يوم الاثنين لستّ بقين من رجب، وأقام لا يأمر بخير ولا شر.
وأما ابن عمّار فإنه لما نظر فى الأمر كان ينزل على باب الحجرة التى فيها الحاكم، ويدخل القصر راكبا، فيشق قاعة الدواوين، ويدخل من الباب الذى يجلس فيه خدم الخاصة (١)، ثم يعدل منه إلى باب الحجرة، فينزل ويركب منه. وكان النّاس من الشيوخ والرؤساء على سائر طبقاتهم يبكرون إلى داره والباب مغلق فيفتح بعد وقت، فيدخل إليه الوجوه فيجلسون فى قاعة الدّار على حصير وهو فى مجلسه لا يدخل إليه أحد، فإذا مضت لهم ساعة أذن للوجوه فالقاضى، وبعده كتامة والقواد، فيدخل أعيانهم؛ ثم يأذن لسائر الناس فلا يقدر أحد على الوصول إليه، فمنهم من يومى إلى تقبيل الأرض، ومنهم من يقبّل الركاب، ومنهم من يقبل ركبته.
(١) خدم الخاص، أو الخاصكية: فرقة من الخدم أو المماليك تختص بخدمة الخليفة أو السلطان أو الأمير. وتشرف على حوائجه وملابسه، وقد يشرف رئيسها على دخول الأمراء والكتاب للخدمة. ويختارون من بين الخدم الذين دخلوا فى الخدمة صغارا، ويدخلون على مخدومهم فى خلوته، ويركبون لركوبه ليلا ونهارا، ولا يتخلفون فى قرب أو بعد، ويتميزون عن غيرهم من المماليك والخدم بحملهم سيوفهم وبملابسهم المزركشة. صبح الأعشى. انظر كذلك: السلوك: ٦٤٤:١.