في رابع المحرم صرف ابن عبدون النصراني، وخلع على أحمد بن محمد القشوري الكاتب، وقرئ سجله في القصر بأنه تقلد الوساطة والسفارة بين أولياء أمير المؤمنين الحاكم وبينه، وأمر الرعايا، وفوضت له الأمور وعول عليه فيها.
وكان سبب صرف ابن عبدون عن الوساطة والسفارة أن كتب الحاكم تكررت إلى قائد القواد حسين بن جوهر وإلى صهره عبد العزيز بن النعمان بأمانهم وعودهم، فأبى ابن جوهر أن يدخل وابن عبدون واسطة، وقال: أنا أحسنت إليه نظري فسعى فيّ إلى أمير المؤمنين ونال مني كل منال؛ لا أعود أبدا وهو وزير. فصرف لذلك، وحضر حسين وعبد العزيز ومن خرج معهما، فنزل سائر أهل الدولة إلى لقائه، وتلقته الخلع، وأفيضت عليه وعلى أولاده وصهره عبد العزيز؛ وقيد بين أيديهم الدواب. فعندما وصلوا إلى باب القاهرة ترجلوا ومشوا، ومشى معهم سائر الناس إلى القصر؛ فمثلوا بحضرة الحاكم، ثم خرجوا وقد عفى عنهم. وأذن للحسين أن يكاتب بقائد القواد، ويكون اسمه تالياً للقبه، وأن يخاطب بذلك؛ فانصرف إلى داره؛ فكان يوما عظيما. وحمل إليه جميع ما قبض له من مال وغيره، وأنعم عليه. وواصل هو وعبد العزيز الركوب إلى القصر.
وكتب لابن عبدون أمان خطه الحاكم بيده؛ وكان يقول عنه: ما خدمني أحد ولا بلغ في خدمته ما بلغه ابن عبدون. ولقد جمع لي من الأموال ما هو خارج في أموال الدواوين ثلثمائة ألف دينار.