للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما منجوتكين فإنه لمّا بلغه ما فعله ابن عمار من إكرام كتامة وحطّه من مراتب المصطنعين الذين اصطنعهم العزيز من الأتراك خاف (١). فلم يكن غير قليل حتى بلغه خروج سلمان بن جعفر بن فلاح إلى الشام بالكتاميين، فسار إلى الرملة مستعدّ القتال من يجيئه من مصر؛ فالتقيا برفح. وكانت الوقعة بين الطوالع، فانهزم أصحاب منجوتكين؛ وسار ابن فلاح إلى منجوتكين، فلقيه بظاهر عسقلان وقد انضم إليه ابن الجراح فى كثير من العرب؛ فاستأمن إلى ابن فلاح عدة من أصحاب منجوتكين. واقتتلا يوم الجمعة، رابع جمادى الأولى، فقتل كثير من أصحاب منجوتكين وأسر عدّة منهم؛ وانهزم منجوتكين بمن بقى معه، فقطع من عسقلان إلى دمشق فى ثلاثة أيام، وأهلها فى مجاعة من غلاء الأسعار وقلة الطعام وقد راجت الغلال. فاجتمع أهل البلد إلى الجامع وهم كثير، فيهم حمّال السلاح ومن يطلب الفتن. فقال الناس: نرحّل منجوتكين عنّا؛ وقال طلاب الفتن:

لا، ما نقاتل معه، وساروا إلى داره ومعهم قوم من المرج (٢) يقال لهم الهياجنة، أهل شر وفساد، فنهبوها وما حولها من دور أمرائها. وخرج منهزما فى يسير من الجند فراسخ، فنزل على ابن الجرّاح.

وبلغ ذلك ابن فلاح فأرسل بأخيه علىّ بن جعفر بن فلاح فى ألفى رجل؛ فنزل بظاهر دمشق، لستّ بقين منه، وبعث إلى ابن الجرّاح رسولا بأن ينفذ منجوتكين إلى مولانا


(١) يصور سراف ابن عمار فى إكرام قومه من كنامة ما ذكره النويرى فى نهاية الأرب، فى سبب الفتنة التى ثارت فى دمشق بزعامة منجوتكين: «كان سبب ذلك أن ابن عمار أظهر الكتاميين وبالغ فى الإحسان إليهم وخولهم فى الأموال وبسط أيديهم وفرق فيهم ما خلفه العزيز. قال بعض المؤرخين إن العزيز كان عنده عشرون ألف عليقة ما بين فرس وبغل وجمل وحمار، ومن الأموال ما لا يدخل تحت الإحصاء، ففرق ابن عمار ذلك فيمن أراد اصطناعه» .. الخ. ويقول ابن القلانسى: ٤٦: «وندب أبا تميم سلمان بن جعفر بن فلاح وأطلق كل ما التمس من المال والعدد والرجال والسلاح والكراع، وأسرف فى ذلك إلى حد لم يقف عنده».
(٢) المرج الأرض الواسعة فيها نبت كثير تمرج فيها الدواب أى تذهب وتجيء. وبالقرب من دمشق ثلاثة مروج هى مرج عذراء، ومرج الصفر، ومرج راهط وهو الذى يقصد عادة إذا ذكر مفردا غير مضاف. معجم البلدان: ١٥:٨ - ١٦.