للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخنس الأنف (١)، منتشر المنخرين، كبير الشّفتين. فأجلسه الصّالح فى البادهنج (٢)، وكان عمره إحدى عشرة سنة (٣). ثم أمر صاحب خزانة الكسوة أن يحضر بذلة ساذجة خضراء، وهى لبس ولىّ العهد إذا حزن على من تقدّمه، وقام وألبسه إيّاها.

وأخذوا فى تجهيز الفائز؛ فلمّا أخرج تابوته صلّى عليه وحمل إلى التّربة. وأخذ الصالح بيد عبد الله وأجلسه إلى جانبه، وأمر أن تحمل إليه ثياب الخلافة، فألبسها؛ وبايعه، ثمّ بايعه النّاس؛ ونعته بالعاضد لدين الله. وذلك يوم الجمعة الثامن عشر من شهر رجب سنة خمس وخمسين (٤). وأبوه أحد الأخوين اللّذين قتلهما الوزير عبّاس (٥).

ولمّا بويع العاضد ركب وحملت على رأسه المظلّة؛ وركب الصّالح بين يديه، وخرج من التربة قاصدا قصره. وكانت عادة الخلفاء أنّه إذا ورد البشير إلى أخصّ أهل من يبايع يعطى ألف دينار؛ فلمّا بويع العاضد حضر المبشّر إلى عمّته فأعطته نزرا، فلمّا راجعها فى الزّيادة أبت عليه؛ فسئلت فى السبب فقالت: هذا قاطع الخلفاء (٦). وهكذا كان.

واستقرّ العاضد اسما والصّالح معنى (٧)، فتمكن وقويت حرمته، واستولى على الدّولة وتمكن منها، ونقل جميع أموال القصر إلى دار الوزارة، وأساء السّيرة باحتكار الغلاّت، فوقع الغلاء وارتفعت الأسعار؛ وأكثر من قتل أمراء الدولة.


(١) الخنس، محركة، تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل فى الأرنبة، وهو أخنس، وهى خنساء. القاموس المحيط.
(٢) منفذ للتهوية فى البيوت، ومنه قيل للفتحة الموجودة فى جانبى المنبر بادهنج. السلوك: ٢٢٢:٢.
(٣) سبق قبل أسطر قول المؤلف: وعمره يومئذ تسع سنين وستة أشهر وسبعة أيام.
(٤) يعلق الفارقى فى تاريخه على تولية العاضد فيقول: وهو الخليفة الرابع عشر من هذا البيت لأن كل خليفة ولى علقت منطقته بقبلة الجامع، وتكون منطقة الذين قبله مكشوفة ومنطقة الحى مغطاة، فإذا مات وولى غيره كشفت وعلقت منطقة الخليفة المولى مغطاة، وكمل فى الجامع مع هذه إلى هذه السنة أربع عشرة منطقة ذيل تاريخ دمشق: ٣٦٠ - ٣٦١.
(٥) راجع ما تقدم فى مناسبة تولية الفائز بن الظافر الخلافة بعد مقتل الظافر وإخفاء جثته فى دار نصر بن عباس.
(٦) فى ترجمة العاضد يقول ابن خلكان: والعاضد فى اللغة القاطع، يقال عضدت الشئ فأنا عاضد له إذا قطعته، فكأنه عاضد دولتهم. وفيات الأعيان: ٢٦٩:١ - ٢٧٠. ولعل هذا هو ما قصدته عمة الخليفة بقولها للمبشر بخلافته: هذا عاضد الخلفاء. ويحسن هنا أن نتذكر ما قاله الحاكم بأمر الله لوالدته قبيل خروجه واختفائه حين حاولت منعه من الخروج إذ قال لها لا بد من الخروج فإنى قد رأيت أن على «قطعا».
(٧) رسمت فى نسخة الأصل: معنا.