في أول المحرم قبض المستنصر على وزيره الناصر للدين، غياث المسلمين، أبي محمد اليازوري، وكان قد جمع له ما لم يجتمع لغيره من تقليد الوزارة وقضاء القضاء وداعي الدعاة. وكان للقبض عليه أسباب، منها أن طغرلبك لما ملك بغداد كان بها لليازوري عيون كثيرة يطالعونه بدفين الأمور وجليلها، فوصلت كتبهم بوصوله، وأنهم سمعوه يذكر إزماعه على التوجه نحو الشام ليملكه. فقل لذلك ورأى أن الحيلة أبلغ من الاستعداد له، فكتب إليه يهنئه بوصوله إلى العراق، ويبذل له من الخدمة ما يوفى على أمله، وأن مصر وأعمالها بحكمه، وأنه وإن كان مستخدماً لدولة ويدعو إليها فإنه يعلم كثرة الاختلاف، فمن تجاوزها في نسبها، واتفاق الكلمة ووقوع الإجماع على الرضا بالخليفة الصحيح النسب، الصريح الحسب، الهاشمي العباسي، وأنه لا يمتنع عن الإقرار له بذلك. وأعطاه صفقة يده على مبايعته، وتسليم الدولة له. وأنه قد اتصل به إزماع حضرته على التوجه إلى الشام، وأنه أشفق من تسليمها إليه فتطأها عساكره مع كثرتها وتجمعها فيخربها ويعفى آثارها، ولا يقع بملكها انتفاع، ولا يرجى لها ارتفاع؛ فإن رأى أعفاها من وطء العساكر لها، ووصول ركابها إليها، على وجه الفرجة والنظر إلى دمشق وحصنها، فلها عالي رأيها.
فلما وقف طغرلبك على كتابه قال هذا كتاب رجل عاقل، ويجب أن يعتمد ما أشار به بالإذن للعسكر في عودتهم إلى بلادهم؛ فمضى كل منهم لوجهه. ثم أمر فضرب فساطيطه في الجانب الغربي من بغداد؛ فكتب بذلك عيون اليازوري إليه، فقلق، ثم كتب إليه: لا تغرنك الأماني والخدع بأن أسلم إليك أعمال الدولة، وأخون أمانتي لمن غذاني فضله وغمرني إحسانه، وتتعين علي طاعته وموالاته. فإن كنت تسلم إلي ما في يدك لصاحبك من العراق وأعماله سلمت إليك ما في يدي لصاحبي، بل الواجب أن تكون كلمة الإسلام مجموعة