فيها تسلم مكين الدولة ابن ملهم من ثمال بن صالح مدينة حلب في آخر ذي القعدة، وانكفت أيدي التركمان عنها، وأقيمت خطبة المستنصر فيها وقطعت خطبة القائم؛ وذلك بعد حروب عظيمة. وكان دخول ابن ملهم حلب يوم الخميس لثلاث بقين من ذي القعدة، فبقي على ملكها أربع سنين.
وفيها قدم كتاب من بخارى أنه وقع بها وباء عظيم حتى هلك من ذلك الإقليم ألف ألف وستمائة ألف وخمسون ألف إنسان، وخلت الأسواق، وأغلقت الأبواب. وتعدى الوباء إلى آذربيجان فالأهواز والبصرة وواسط، وعامة تلك الأعمال، فكانت الحفيرة تحفر ويلقى فيها العشرون والثلاثون من الأموات. وكان سببه قلة القوت والجوع، فنبشت الأموات وأكلهم الناس. وكان الموت إذا وقع في دار مات جميع من فيها، وكان المريض ينشق قلبه عن دم المهجة، فيخرج من فمه قطرة فيموت، أو يخرج من في دود فيموت. وكل دار كان فيها خمر مات أهلها كلهم في ليلة واحدة، ومن كانت امرأته حراماً ماتا معاً، ومات قيم مسجد وله خمسون ألف درهم فلم يقبلها أحد، ووضعت في المسجد تسعة أيام، فدخل أربعة من الشلوح إليها ليلا ليأخذوها فمات الأربعة عليها. وكان يموت الوصي قبل الموصى، وكل مسلمين كان بينهما تفاخر ولم يصطلحا ماتا. وابتدأ هذا الوباء من تركستان، ودب منها إلى كاشغر والشاش وفرغانة، وعم النساء والصبيان، فمات الصبيان والكهول والفتيان من سائر الناس إلا الملوك والعساكر، فإنه لم يمت منهم ولا من الشيوخ والعجائز إلا القليل!!